السؤال
ما هو رأي ابن عثيمين في الترخص برخص السفر فكأني قرأت أو سمعت أنه من سافر إلى أي مكان سواء مسافته أربعين أو خمسين أو تسعين أو أربعمائة كيلو متر أو أي مسافة فإنه يترخص المسافر برخص السفر من جمع وقصر الصلوات...الخ ما دام أنه لم يقم بتلك المحافظة أو المدينة التي سافر إليها مثل محافظة حريملاء القريبة من مدينه الرياض في السعودية، وحتى لو كان مدة سفره شهرا. هل هذا صحيح لكي أتبعه لأني من أشد المعجبين بالشيخ ابن عثيمين لأنه دائما أو غالبا يستدل لآرائه بالأدلة الشرعية والعقل فيقتنع القارئ أو المستفتي له بكلامه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله من أجل علماء العصر، ورسوخ قدمه في العلم وعنايته بالأدلة ونصرته للتوحيد والسنة وانتفاع الناس به في مختلف الأقطار أمر غني عن البيان فرحمه الله رحمة واسعة،
وأما مذهبه في مسألة السفر فهو قريب مما ذكرت، فإنه رحمه الله يرى أن المسافة المبيحة للترخص برخص السفر من القصر والفطر والجمع ونحوها لا تقدر بمسافة معينة، وإنما يرجع في ضبطها إلى العرف، فكل ما عده الناس سفرا فهو السفر المبيح للترخص، وذلك لإطلاق النصوص وعدم ورود تقدير عن الشارع في المسألة بحسب رأي الشيخ، قال الشيخ رحمه الله في فتوى له: المسافة التي تقصر فيها الصلاة حددها بعض العلماء بنحو ثلاثة وثمانين كيلو مترا، وحددها بعض العلماء بما جرى به العرف أنه سفر وإن لم يبلغ ثمانين كيلو مترا، وما قال الناس عنه: إنه ليس بسفر، فليس بسفر ولو بلغ مائة كيلو متر.
وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وذلك لأن الله تعالى لم يحدد مسافة معينة لجواز القصر وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد مسافة معينة.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين. رواه مسلم.
وقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أقرب إلى الصواب.
ولا حرج عند اختلاف العرف فيه أن يأخذ الإنسان بالقول بالتحديد ؛ لأنه قال به بعض الأئمة والعلماء المجتهدين، فلا بأس به إن شاء الله تعالى، أما مادام الأمر منضبطا فالرجوع إلى العرف هو الصواب. انتهى. وراجع الشرح الممتع لمزيد الفائدة، ويرى الشيخ أيضا أن المدة المبيحة للقصر لا تتقيد بزمن محدود، بل للمسافر أن يقصر ما دام مسافرا ما لم ينو الإقامة المطلقة أو ينوي استيطان البلد، قال رحمه الله في الشرح الممتع: ولكن إذا رجعنا إلى ما يقتضيه ظاهر الكتاب والسنة وجدنا أن القول الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله هو القول الصحيح، وهو أن المسافر مسافر، سواء نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أو دونها.
وذلك لعموم الأدلة الدالة على ثبوت رخص السفر للمسافر بدون تحديد، ولم يحدد الله في كتابه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم المدة التي ينقطع بها حكم السفر. ثم ساق طرفا من الأدلة التي استدل بها على اختياره ثم قال رحمه الله: فنقول: إن القول الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أن المسافر مسافر ما لم ينو واحدا من أمرين:
1 ـ الإقامة المطلقة.
2 ـ أو الاستيطان.
والفرق: أن المستوطن نوى أن يتخذ هذا البلد وطنا، والإقامة المطلقة أنه يأتي لهذا البلد ويرى أن الحركة فيه كبيرة، أو طلب العلم فيه قوي فينوي الإقامة مطلقا بدون أن يقيدها بزمن أو بعمل، لكن نيته أنه مقيم لأن البلد أعجبه إما بكثرة العلم وإما بقوة التجارة أو لأنه إنسان موظف تابع للحكومة وضعته كالسفراء مثلا، فالأصل في هذا عدم السفر؛ لأنه نوى الإقامة فنقول: ينقطع حكم السفر في حقه.
أما من قيد الإقامة بعمل ينتهي أو بزمن ينتهي فهذا مسافر، ولا تتخلف أحكام السفر عنه. انتهى،
هذا هو تحرير مذهب الشيخ رحمه الله بخصوص ما سألت عنه، والمفتى به عندنا هو مذهب الجمهور وأن مسافة السفر تتحدد بأربعة برد، والراجح عندنا أن من نوى الإقامة في بلد أربعة أيام فصاعدا فإنه لا يترخص برخص السفر وانظر الفتوى رقم: 115280، وهذا أحوط وأبرأ للذمة.
والله أعلم.