وقت تشريع التشهد وشرح ألفاظه والتأكيد على بطلان قصة التشهد

0 347

السؤال

بالنسبة للتشهد في الصلاة فلله الحمد لا أريد نصوصه، بل أريد متى شرع وما معناه أو كيف أخبر به سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالتشهد كغيره من أحكام الشرع، تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل فبلغه أمته، ولم يتعرض الشراح حسب اطلاعنا للوقت الذي شرع فيه التشهد، لكنه شرع بعد تشريع الصلاة، ويدل لذلك ما أخرجه الدارقطني وصححه والبيهقي في سننه عن ابن مسعود قال: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تقولوا هكذا ولكن قولوا التحيات لله... وذكر باقي الحديث.

وكأنك تومئ بسؤالك إلى ما انتشر على ألسنة كثير من الوعاظ مما يسمونه قصة التشهد، وهو خبر مختلق مكذوب لا يجوز تناقله ولا تحل روايته إلا على وجه الإبطال له وانظر الفتوى رقم: 122537، وأما عن معنى ألفاظ التشهد فقد تعرض لها العلماء بنوع من الإطالة، ونحن نقتصر هنا على ذكر كلام للشيخ العثيمين رحمه الله في معنى التشهد وشرح ألفاظه وإنما آثرناه لسهولة عبارته وقربه للأفهام، يقول رحمه الله: قوله: التحيات لله التحيات: جمع تحية، والتحية هي: التعظيم، فكل لفظ يدل على التعظيم فهو تحية، والـ مفيدة للعموم، وجمعت لاختلاف أنواعها، أما أفرادها فلا حد لها، يعني: كل نوع من أنواع التحيات فهو لله، واللام هنا للاستحقاق والاختصاص، فلا يستحق التحيات على الإطلاق إلا الله عز وجل. فإذا قال قائل: هل الله بحاجة إلى أن تحييه؟ فالجواب: كلا، لكنه أهل للتعظيم، فأعظمه لحاجتي لذلك لا لحاجته لذلك، والمصلحة للعبد قال تعالى: إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم {الزمر: 7}. قوله: والصلوات أي: لله، وهو شامل لكل ما يطلق عليه صلاة شرعا أو لغة، فالصلوات كلها لله حقا واستحقاقا، لا أحد يستحقها، وليست حقا لأحد سوى الله عز وجل، والدعاء أيضا حق واستحقاق لله عز وجل كما قال تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين  {غافر: 60} فكل الصلوات فرضها ونفلها لله، وكل الأدعية لله. قوله: والطيبات. الطيبات لها معنيان: المعنى الأول، ما يتعلق بالله. المعنى الثاني، ما يتعلق بأفعال العباد، فما يتعلق بالله فله من الأوصاف أطيبها، ومن الأفعال أطيبها، ومن الأقوال أطيبها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله طيب، لا يقبل إلا طيبا... يعني: لا يقول إلا الطيب، ولا يفعل إلا الطيب، ولا يتصف إلا بالطيب، فهو طيب في كل شيء، في ذاته وصفاته وأفعاله.

وله أيضا من أعمال العباد القولية والفعلية الطيب، فإن الطيب لا يليق به إلا الطيب ولا يقدم له إلا الطيب، وقد قال الله تعالى: الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات {النور: 26} فهذه سنة الله عز وجل. قوله: السلام عليك السلام قيل: إن المراد بالسلام: اسم الله عز وجل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله هو السلام كما قال عز وجل في كتابه: الملك القدوس السلام {الحشر: 23} وبناء على هذا القول يكون المعنى: أن الله على الرسول صلى الله عليه وسلم بالحفظ والكلاءة والعناية وغير ذلك، فكأننا نقول: الله عليك، أي: رقيب حافظ معتن بك، وما أشبه ذلك.

وقيل: السلام: اسم مصدر سلم بمعنى التسليم كما قال تعالى: ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما {الأحزاب: 56} فمعنى التسليم على الرسول صلى الله عليه وسلم: أننا ندعو له بالسلامة من كل آفة. قوله: ورحمة الله رحمة معطوفة على السلام عليك يعني: ورحمة الله عليك، فيكون عطف جملة على جملة والخبر محذوف، ويجوز أن يكون من باب عطف المفرد على المفرد، فلا يحتاج إلى تقدير الخبر.

والرحمة إذا قرنت بالمغفرة أو بالسلام صار لها معنى، وإن أفردت صار لها معنى آخر، فإذا قرنت بالمغفرة، أو بالسلام صار المراد بها: ما يحصل به المطلوب، والمغفرة والسلام: ما يزول به المرهوب، وإن أفردت شملت الأمرين جميعا، فأنت بعد أن دعوت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلام دعوت له بالرحمة، ليزول عنه المرهوب ويحصل له المطلوب. قوله: وبركاته جمع بركة، وهي الخير الكثير الثابت، لأن أصلها من البركة بكسر الباء والبركة مجتمع الماء الكثير الثابت. قوله: السلام علينا. نقول في السلام كما قلنا في الأول وأما علينا فـ( نا) لا شك أنه لا يراد بها الشخص نفسه فقط، وإنما يراد بها الشخص ومن معه، فمن الذي معه؟ قيل: المصلون. وقيل: الملائكة. وقيل: المراد جميع الأمة المحمدية. وهذا القول الأخير أصح، فكما دعونا لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام بالسلام، ندعو أيضا لأنفسنا بالسلام، لأننا أتباعه. قوله وعلى عباد الله الصالحين. هذا تعميم بعد تخصيص، لأن عباد الله الصالحين هم كل عبد صالح في السماء والأرض، حي أو ميت من الآدميين والملائكة والجن، وعباد الله الصالحون هم الذين صلحت سرائرهم وظواهرهم.

قوله: أشهد أن لا إله إلا الله. الشهادة هي الخبر القاطع، فهي أبلغ من مجرد الخبر. لأن الخبر قد يكون عن سماع، والشهادة تكون عن قطع، كأنما يشاهد الإنسان بعينيه ما شهد به. ولا إله إلا الله كلمة التوحيد التي بعث الله بها جميع الرسل كما قال تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون {الأنبياء: 25}، وبها يكون تحقيق توحيد الألوهية، وإن شئت فقل: تحقيق توحيد العبادة، وهما بمعنى واحد، لكن يسمى توحيد الألوهية باعتبار إضافته إلى الله، وتوحيد العبادة باعتبار إضافته إلى العبد. قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قوله: عبده أي: العابد له، وليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم شركة في ملك الله أبدا، وهو بشر مثلنا تميز عنا بالوحي، وبما جبله الله عليه من العبادة والأخلاق العظيمة. قال الله تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد {الكهف: 110}، وقال الله تعالى: وإنك لعلى خلق عظيم {القلم: 4}. وقوله: ورسوله أي: مرسله، أرسله الله عز وجل وجعله واسطة بينه وبين الخلق في تبليغ شرعه فقط، إذ لولا رسول الله ما عرفنا كيف نعبد الله عز وجل، فكان عليه الصلاة والسلام رسولا من الله إلى الخلق، ونعم الرسول، ونعم المرسل، ونعم المرسل به، فالنبي عليه الصلاة والسلام هو رسول مرسل من الله، وهو أفضل الرسل، وخاتمهم، وإمامهم. انتهى باختصار وانظر للفائدة الفتوى رقم: 64163.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة