السؤال
ما تفسير هذه الآية: فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.
وهل صحيح كما يقول الشيعة أن المقصود من أنفسنا هو علي لأنه كان في نفس منزلة النبي؟ ومصداق أبنائنا تعني الحسن والحسين؟ ونساءنا تعني فاطمة الزهراء؟
وهل (نساءنا) هي جمع تعظيم لفاطمة الزهراء كما يقولون؟
أريد جوابا مفصلا لو تكرمتم، وجزاكم الله خيرا...
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأهل السنة بحمد الله هم الأمة الوسط، فلا إفراط ولا تفريط، ولا جفاء ولا غلو، فجمعوا بذلك بين المحاسن، وأعطوا كل ذي حق حقه، وأقاموا القسط وحكموا بالعدل كما أمر الله تعالى. وهذا من فضل الله على من عظم الشرع واتبع السنة، ولذلك تجدهم بين أهل الفرق والنحل، كالمسلمين بين أهل الأديان والملل: أخذوا بمجامع الأمور، فما من خير أو صواب عند من سواهم إلا ولهم فيه أكبر الحظ والنصيب.
ومن ذلك موقفهم من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فهم وسط بين النواصب والروافض، فلم يجفو جفاء الناصبة، ولم يغلو غلو الرافضة. فجمعوا بين محبة آل البيت وتعظيمهم وإنزالهم المكانة التي تليق بهم، وبين الاعتدال في ذلك فلم يرفعوهم فوق رتبتهم ولم يفضلوهم على من فوقهم كالشيخين أبي بكر وعمر، ولم يكذبوا، لا لهم، ولا عليهم. فلم يبخسوهم حقهم، ولم يعطوهم ما ليس لهم.
وهذه الآية -محل السؤال- مثال على ذلك، ففيها دلالة واضحة على فضيلة آل البيت، ولكن ليس فيها دلالة على أنهم أفضل الصحابة على الإطلاق.
وموقف أهل السنة مع هذه الآية كموقفهم من سائر الآيات إعمالا واستدلالا، وتعظيما وإذعانا، فهم من ناحية يقرون باعتزاز وطمأنينة أن عليا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم جميعا داخلون فيها قطعا، سواء من ناحية المعنى كما هو ظاهر الآية، أو من ناحية النص والنقل، ففي صحيح مسلم عن سعد رضي الله عنه: أن هذه الآية لما نزلت دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي.
ولكنهم من ناحية أخرى لا يقصرونها على هؤلاء النفر الأربعة من آل البيت، فهي تتناول غيرهم كبقية بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وعمه العباس وابنه عبد الله مثلا. فكأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا من أهل بيته أحبهم إليه وأقربهم منه، قال القاسمي في محاسن التأويل: ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم أي يدع كل منا ومنكم نفسه وأعزة أهله وألصقهم بقلبه، ممن يخاطر الرجل بنفسه لهم ويحارب دونهم، ويحملهم على المباهلة... قال الزمخشري: فإذا قلت: ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلى ليتبين الكاذب منه ومن خصمه، وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه. فما معنى ضم الأبناء والنساء؟ قلت: ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك. ولم يقتصر على تعريض نفسه له، وعلم ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة، وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب، وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل.. وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها. وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام. وفيه برهان واضح على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك. اهـ.
ففي هذه الآية دلالة واضحة على مكانة هؤلاء الأربعة المذكورين وأفضليتهم على من سواهم من آل البيت، وقد سبق لنا بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في أهل البيت، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 51002، 75221، 112346، 110929، 53149.
وأما تفسير الآية ففيه أقوال لأهل العلم، قال البغوي: قيل: أبناءنا أراد الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة. وأنفسنا عنى نفسه وعليا رضي الله عنه، والعرب تسمي ابن عم الرجل نفسه، كما قال الله تعالى: ولا تلمزوا أنفسكم {الحجرات: 11} يريد إخوانكم. وقيل: هو على العموم: الجماعة أهل الدين. اهـ.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: قال المفسرون: أراد بأبنائنا فاطمة والحسن والحسين... قوله تعالى: وأنفسنا فيه خمسة أقوال، أحدها أراد علي بن أبي طالب، قاله الشعبي، والعرب تخبر عن ابن العم بأنه نفس ابن عمه. والثاني: أراد الإخوان، قاله ابن قتيبة. والثالث: أراد أهل دينه، قاله أبو سليمان الدمشقي. والرابع: أراد الأزواج. والخامس: أراد القرابة القريبة، ذكرهما علي بن أحمد النيسابوري. اهـ.
هذا، وننبه على أن تفسير ألفاظ الآية: الأبناء والنساء والأنفس، بالأربعة المذكورين تعينا، بمعنى أن الله أراد بالأبناء خصوص الحسن والحسين، وأراد بالنساء فاطمة خاصة، وأراد بالأنفس عليا خاصة لا يصح، وغاية الأمر أن هؤلاء داخلون فيها، أو أنهم أولى بها من غيرهم. وعلى ذلك فلا داعي للقول بأن جمع النساء تعظيم لفاطمة رضي الله عنها.
والله أعلم.