السؤال
يوجد في قريتنا جامع قديم تم توسعته قبل أعوام ليحوي المصلين، وقبل سنة أو أكثر بقليل تم بناء جامع يبعد عنه حوالي كيلو مترا؛ لان الجامع الأول لم يعد يكفي المصلين يوم الجمعة ولا يمكن توسعته، ثم بتزايد المصلين كثيرا قام أبناء القرية ببناء جامع كبير وسط القرية، وكانت الفكرة بأن يأتي المصلون من الجامع الأول والثاني إلى هذا الجامع الكبير يوم الجمعة، ولكن خطيب الجامع الثاني ظل يخطب في الجامع الثاني مع العلم أن الجامع الكبير يتسع لكل المصلين، وحجته أن هناك مصلين يحضرون الخطبة من القرية المجاورة لأن المسجد الثاني قريب عليهم.
فما هو الصحيح في هذه المسألة؟ هل كان الواجب توسعة الجامع الأول بأي طريقة؟
أم يجب على المصلين في الجامع الثاني الحضور إلى الجامع الكبير لأجل اجتماع المسلمين؟ أم يبقون يصلون في جامعهم؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أنه لا تجوز إقامة الجمعة في أكثر من مسجد لغير حاجة، وهذا مذهب جماهير العلماء، قال الشيرازي في المهذب: قال الشافعي رحمه الله ولا يجمع في مصر وان عظم وكثرت مساجده إلا في مسجد واحد والدليل عليه أنه لم يقمها رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا الخلفاء من بعده في أكثر من موضع. انتهى.ولكن إذا ضاق المسجد عن المصلين وكانت بهم حاجة إلى إقامة جمعة ثانية جاز ذلك، قال النووي: قال أصحابنا: فعلى هذا تجوز الزيادة على جمعة في جميع البلاد التي تكثر الناس فيها ويعسر اجتماعهم في موضع وهذا الوجه هو الصحيح وبه قال أبو العباس بن سريج وأبو إسحق المروزي قال الرافعي واختاره أكثر أصحابنا تصريحا وتعريضا. انتهى.
وأما مع عدم الحاجة فلا تقام في مسجد ثان، وإن اكتفي باثنين لم تقم في ثالث وهكذا، قال في المغني: فصل: فأما مع عدم الحاجة فلا يجوز في أكثر من واحد وإن حصل الغنى باثنين لم تجز الثالثة وكذلك ما زاد لا نعلم في هذا مخالفا إلا أن عطاء قيل له إن أهل البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر قال: لكل قوم مسجد يجمعون فيه ويجزى ذلك من التجميع في المسجد الأكبر وما عليه الجمهور أولى إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أنهم جمعوا أكثر من جمعة إذ لم تدع الحاجة إلى ذلك ولا يجوز إثبات الأحكام بالتحكم بغير دليل. انتهى.
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: والدليل على التحريم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلوا كما رأيتموني أصلي. وحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على صلاته الجمعة في مسجد واحد طول حياته، والخلفاء من بعده، والصحابة من بعدهم، وهم يعلمون أن البلاد اتسعت، ففي عهد عثمان اتسعت المدينة فزاد أذانا ثالثا فصار أذان أول، ثم أذان عند حضور الإمام، ثم الإقامة، ولم يعدد الجمعة، وكانت أحياء العوالي في عهده صلى الله عليه وسلم بعيدة عن مكان الجمعة، ومع ذلك يحضرون إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن مع الأسف الآن أصبح كثير من بلاد المسلمين لا يفرقون بين الجمعة وصلاة الظهر، أي: أن الجمعة تقام في كل مسجد، فتفرقت الأمة، وصار الناس يقيمون صلاة الجمعة وكأنها صلاة ظهر، وهذا لا شك أنه خلاف مقصد الشرع وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا جزم المؤلف بتحريم إقامتها في أكثر من موضع في البلد. انتهى.
وذكر الشيخ العثيمين رحمه الله بعض الحاجات المبيحة لتعدد الجمعة فقال: مثال الحاجة: إذا ضاق المسجد عن أهله، ولم يمكن توسيعه، لأن الناس لا يمكن أن يصلوا في الصيف في الشمس، ولا في المطر في أيام الشتاء.
وكذا إذا تباعدت أقطار البلد، وصار الناس يشق عليهم الحضور فهذا أيضا حاجة، ومن الحاجة أيضا: أن يكون بين أطراف البلد حزازات وعداوات، يخشى إذا اجتمعوا في مكان واحد أن تثور فتنة، فهنا لا بأس أن تعدد الجمعة، لكن هذا مشروط بما إذا تعذر الإصلاح، أما إذا أمكن الصلح وجب الإصلاح، وتوحيدهم على إمام واحد. انتهى.
وبجميع ما مر تعلم أنه إن لم تكن هناك حاجة لإقامة الجمعة في ذلك المسجد الضيق لم تجز إقامتها فيه عند جمهور أهل العلم خلافا لمن أجاز تعدد الجمعة مطلقا، ووجب على من يصلي فيه أن يذهبوا إلى المسجد الأوسع الذي يجتمع فيه الناس، وليس لهذا الخطيب أن يصر على إقامة الجمعة الثانية إن لم يكن هناك عذر من الأعذار المتقدمة أو نحوها، وأما أهل القرية المجاورة فعليهم أن يقيموا الجمعة في قريتهم إن توفرت فيهم شروط الجمعة، وليس حضورهم إلى هذا المسجد عذر يبيح تفريق المصلين في قريتكم وأن يصلوا في مسجدين حيث لا تدعو لذلك حاجة إذ يمكنهم أن يصلوا مع الناس في الجامع الآخر.
والله أعلم.