أداء حقوق العباد من تمام التوبة

0 434

السؤال

أنا شاب قد هداني الله عز وجل إلى طريق الهدى والاستقامة، وقد تبت توبة خالصة لله عز وجل من جميع الذنوب والمعاصي ـ أسأل الله عز وجل الثبات ـ ولكن ما يشغلني هو خوفي من أن يكون علي حق لأحد من عباده في الدنيا، حيث إنني كنت أعمل في شركة عقارية، وقد كان صاحب هذه الشركة يلجأ إلى الغش والكذب في البيع والشراء من أجل الربح، وقد وظفني لديه وطلب مني أن أتبع طريقته في البيع والشراء، ولجهلي وغفلتي وافقت واتبعت طريقه.فمثلا: كان يأتيه زبائن من أجل تقييم عقاراتهم، ولكنه كان لا يعطيهم القيمة الحقيقية لهذه العقارات وكان ينقص من قيمتها من أجل أن يستفيد هو ويأخذ بهذا السعر ويبيعها هو بالسعر الحقيقي الأعلى، ومن الصور ـ أيضا ـ أن يأتيه صاحب عقار ويقول: اعرضوا هذا العقار لديكم بأفضل سعر تجدونه ـ ومن ثم بعد العرض قد نجد مشتر لها بسعر أفضل، فلا نخبره بالسعر الحقيقي، وإنما نعطيه سعرا أقل من الذي وجدناه من أجل أن نستفيد. ومن الصور: أنه لو طلب منا زبون عقارا معينا، فإذا كان طلبه غير متوفر لدينا، وإنما مع شخص آخر بسعر معين فإننا نعرضها على الشخص الآخر بسعر أعلى ونقول ـ غشا وكذبا ـ بأن مالك العقار يطلب هذا السعر، فإذا تمت البيعة نأخذ المبلغ الزائد.مع العلم أنني لم أكن آخذ من كل تلك المبالغ أو الفائدة أو الربح شيئا، وإنما تذهب إلى حساب الشركة وميزانيتها، إلا في ثلاث حالات تقريبا ـ على ما أذكره ـ حيث كنت أستخدم نفس طريقة الكذب والغش السابقة وبعلم الشركة وكنت أدخل الفائدة في حسابي الشخصي مباشرة، هذا ما أذكره ـ فقط ـ فيمن تعاملت معهم بشكل مباشر وأخذت أموالهم.وقد كانت هذه سياسة الشركة التي اتخذناها في البيع والشراء ـ كنا نمارسها لسنوات عديدة ـ وقد تجاوزت المبالغ مئات الآلاف، بل تعدت ملايين الريالات، ومع عدة أشخاص، ومنهم أيضا من الشيعة في الخليج للأسف؟ من نتعامل معهم ومن دول مختلفة خارج البلد، ولكن بعد أن من الله علي بالهداية راجعت نفسي كثيرا ووقفت أحاسب نفسي كثيرا عن مثل هذه الأمور وعن جوازها وحلها من حرامها، وقد واجهت صاحب الشركة بهذا الأمر ـ ولله الحمد ـ فتقبل النصح والرشد وقد وافقني في الأمور الخاطئة التي كنا نسلكها ـ وهي ما ذكرتها سابقا ـ وقد اجتمع مع محاسب الشركة وأخبره بأن سياستنا ستتغير من الآن، فلا كذب ولا غش ولا خداع في البيع والشراء حتى ولو لم نربح إلا القليل.وسؤالي هو: بعد أن عرفت الحق وتبت إلى الله عز وجل: فهل علي ـ أنا الموظف البسيط ـ إثم فيما سبق بعد أن تبت ورجعت إلى الله عز وجل؟ وهل يكون علي حق لعباده؟ وهل التوبة تمحو ما قبلها؟ أم لا بد من إرجاع الحقوق لأصحابها والاستحلال منهم؟ وكيف يكون إرجاعها والاستحلال منهم في هذه الحالة؟ وماذا أقول لأصحابها؟ وإن كان هذا يعتبر من الحقوق على العباد، فكيف أستطيع أن أوفيها؟ حيث إنني تعاملت مع أشخاص كثيرين ـ شيعة وسنة وغيرهم ـ فمنهم من أعرفه الآن وعندي أرقام هواتفهم، ومنهم من يتعذر علي الوصول إليه؟ وقد تعاملت معهم أيضا بمبالغ كثيرة وكبيرة لا أذكرها ولا أستطيع أن أرجعها، وهل يكون الاستحلال بأن أخبرهم بأنني قد كنت أفعل في السابق كذا وكذا في تعاملي معكم في البيع والشراء وكنت أبخس حق عقاراتكم وأراضيكم وكنت أزيد عليكم في الأسعار ولا أعطيكم الأسعار الحقيقية، وكنت أكذب وأغشكم. وأطلب منكم الحل الآن، لأنني تبت الآن إلى الله عز وجل على الرغم أن ذلك قد يؤثر على سمعة الشركة؟ أم هل يجزئ أن أخاطبهم وأقول لهم إنني تبت إلى الله عز وجل ولا أذكر لهم التفاصيل وأطلب منهم الحل في أي معاملة تعاملت معهم بشكل عام لو كان فيها كذب أو غش وخداع دون أن أذكر تفاصيل تلك المعاملة؟.
وأخيرا: أحببت أن أبين أنه قد مر على هذا الأمر سنوات عدة، ولا يوجد أحد من الذين تعاملت معهم سابقا ـ وإلى الآن ـ سواء سنة أو شيعة ـ يكن لي حقدا أو كراهية تجاه معاملتي معهم في البيع والشراء، حيث يكونون راضين تمام الرضا في البيع والشراء وموافقين على كل ذلك، حيث لا تتم البيعة إلا بموافقتهم، وبعضهم لا زلت متواصلا معه إلى الآن وبيننا كل الود والتفاهم والاحترام، مع العلم أن كثيرا منهم ممن اشتروا من عندنا هذه العقارات قد رجعوا إلينا مرة أخرى من أجل بيع عقاراتهم، وقد بعنا عقارات بعضهم بفائدة كبيرة وبربح كبير كانوا لا يحلمون به وقد كانوا يعيدون التعامل معنا لما وجدوه من متابعتنا لعقاراتهم وبيعها لهم وجلب الفائدة لهم وحسن المعاملة.فبعد كل هذا الأسئلة وكل هذه الإطالة، فهل يلحقني إثم أو يلزمني شيء مما سبق؟ وهل يلزم صاحب الشركة شيء لو تاب؟.وبالنسبة لي ـ أنا الموظف البسيط ـ فأنا مستعد لفعل أي شيء من أجل رضا الله عز وجل، حيث إنني أريد أن ألقاه وليس علي حق لأحد من عباده يطالبني به حتى لو كان هذا الأمر سيؤثر علي لاحقا، فلا شيء يهمني سوى الله عزوجل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم ـ أخي الكريم ـ أن ما ذكرته من غش وخديعة وكذب على العملاء: أعمال محرمة، وما أخذ من أموالهم بتلك الحيل والأساليب يلزم رده إليهم إلا أن يبرؤوا آخذه منه، ولا تجوز إعانة الآثم على إثمه، ومن فعل فهو شريك له فيه، ولكن مع ذلك، فباب التوبة مفتوح، ومن تاب إلى الله توبة نصوحا، فإن الله تعالى يقبل توبته ـ مهما عظمت ذنوبه ـ فإن رحمة الله وسعت كل شيء، قال الله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. { الزمر: 53 }.

وإن من أسمائه سبحانه وتعالى: الغفور الرحيم، فهو سبحانه وتعالى غفور رحيم بعباده، قال تعالى: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى. { طـه: 82 }.

وقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح.

فالله سبحانه وتعالى كريم حليم يتجاوز عن المسيء ـ مهما عظم ذنبه ـ والمسلم الحق: هو الذي يجمع بين الخوف والرجاء، فهو يخاف من عذاب الله، ولكن يرجو رحمته سبحانه، فكما قال الإمام أحمد: أيهما غلب على الآخر هلك العبد.

فعليك ـ أخي الكريم ـ أن تحسن الظن بالله عز وجل، فإن من رحمته سبحانه وتعالى أن يبدل سيئات من تاب إليه إلى حسنات، قال تعالى: إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما. { الفرقان: 70 }.

ومن عدله سبحانه أنه لا يأخذ شخصا بجريرة غيره، قال تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى. { الأنعام: 164 }.

هذا فيما يتعلق بتوبة العبد فيما بينه وبين ربه.

وأما حقوق الناس: فلا تتم التوبة إلا بالتحلل منها بردها إليهم مالم يبرؤوا آخذها منها ويسامحوه فيها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأحد ـ من عرضه أو شيء ـ فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم. رواه البخاري.

وقد فصلنا القول في كيفية التوبة من حقوق الناس ومظالمهم  في الفتاوى التالية أرقامها: 41851،0  125190، 109211.

وكونك عاملا بسيطا لايعفيك مما أخذته من تلك الحقوق وما أعنت عليه مديرك في العمل أوغيره، لأن المعين على الإثم  شريك فيه، لكن ضمان ما أخذه المدير من تلك الأموال دون معيتك عليه، لاعليك، وما أخذته أنت منها فضمانه عليك، وما اشتركتما فيه، فضمانه عليكما معا، ومن أداه يرجع على شريكه بما أدى عنه، وأيكما باشر استهلاك المأخوذ يستقر الضمان عليه وللثاني الرجوع عليه إذا أدى عنه.

ولا يلزم إعلام صاحب الحق بالكيفية التي أخذ منه بها، وإنما يكفي إيصاله إليه ولو بطرق غير مباشرة، ومن لم تستطع الوصل إليه فيمكن التصدق بحقه عنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة