السؤال
لي خال ابتلاه الله تبارك وتعالى بالاعتقال عدة مرات، وجدتي تعيش مع خالي هذا، وقد أصبح مؤخرا عنده هاجس وصل عنده إلى درجة اليقين أن حوله أعين كثيرة تتخابر مع أمن الدولة ـ الجيران والأقارب حتى إنه شك في أخته وزوجها وأنا وأمي ـ أننا ننقل أخباره ونتجسس عليه لصالح أمن الدولة ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ـ والعجيب! أن جدتي تصدقه في كل هذا، وقد قالت بالحرف: إن ابنتي وابنها ـ أي أنا وأمي ـ نستغل زيارتها لنتجسس على خالي وننقل أخباره إلى أمن الدولة، فامتنعت فترة عن زيارة جدتي، ولكنني تراجعت خوفا من الله وأن أكون قاطعا للرحم، فقررت زيارتها فمنعتني أمي، وذلك لسببين:أولا: لأقوال خالي وجدتي وحتى لا ينالني منهم سوء ـ إهانة أو ضرب ـ حيث إن خالي ضرب خالتي التي يظن أنها وزوجا جاسوسان. ثانيا: خوفا من بيت خالي الذي تعتبره مشبوها ويراقبه أمن الدولة ليلا ونهارا، وكل زائر لهذا المنزل يفتح له ملف لا يغلق.فما حكم الإسلام في هذه المسألة؟.
أرجو أن ترسل الإجابة بالتفصيل والأدلة على بريدي الألكتروني المرفق حتى أطبعها وأريها لأمي لينشرح صدرها لهذه الإجابة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد نهى الله تعالى عن التجسس، فقال: ولا تجسسوا. { الحجرات: 12 }.
فالأصل في التجسس على المسلمين أنه لا يجوز، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 15454.
وكذلك لا يجوز اتهام الناس بهذا الإثم أو غيره بمجرد الظن، ولذلك أمر الله تعالى قبل النهي عن التجسس باجتناب كثير من الظن، فقال: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا. { الحجرات: 12 }.
ولا يخفى أن اتهام خالك لكم بهذا الفعل الأثيم منكر لا يجوز، طالما أنه لم تقم على ذلك بينة، ويزداد الأمر سوءا إذا أضاف إلى الاتهام أفعالا سيئة ـ كالسب والضرب والإهانة.
وعليكم أن تحاولوا تبرئة أنفسكم بقدر طاقتكم، إبقاء للمودة، وصلة للرحم، فإذا بذلتم ما في وسعكم ولم يفد ذلك شيئا، فلا حرج عليكم في اجتناب زيارة خالكم من غير قطيعة، ويسعكم أن تكتفوا بما هو أدني من ذلك من درجات الصلة، من السلام والكلام بالهاتف والسؤال وقضاء الحوائج من بعيد، ونحو ذلك مما لا تترتب عليه هذه المفاسد المذكورة، فقد نقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن الحافظ ابن عبد البر قوله: وأجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث، إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك جاز، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. هـ.
وقد سبق لنا التنبيه على أنه لا حرج في هجر الظالم إذا استمر على ظلمه بعد نصحه وتحذيره، في الفتوى رقم: 98396.
ثم ننبه على أن المندوب لكم أن تصلوا من قطعكم، وتحسنوا إليه ـ وإن أساء إليكم ـ كما أوصى بذلك النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي جاءه وقال له: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت؟ فإنما تسفهم المل ـ يعني الرماد الحار ـ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم مادمت على ذلك. رواه مسلم.
وراجع الفتوى رقم: 66764.
والله أعلم.