السؤال
ما حكم موالاة أهل البدعة، هل يجوز أن أقوم بإهداء أحدهم هدية وأنا على علم أنه من أهل البدع ويدعو إليها صراحة ( مثل أن يدعو إلى إقامة المحاضرات والموالد وجلسات الذكر الجماعية أو يدعو إلى الانتساب إلى طريقة صوفية معينة وقد كان هذا الشخص يعلمني القرآن؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فسلوك السائل الكريم مع شيخه هذا ينبغي أن يكون استصلاحا له، فإن كان هجره أقرب لهدايته وتنبيهه وزجره هو وغيره عن بدعتهم، كان هذا هو المطلوب. وإن كان معاملته باللين والرفق والإهداء له ووعظه ونصحه أقرب لتحصيل ذلك كان هو المطلوب، فالأمر يدور مع المصلحة الشرعية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم؛ فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله؛ فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف اهـ.
وقال أيضا: الهجران قد يكون مقصوده ترك سيئة البدعة التي هي ظلم وذنب وإثم وفساد، وقد يكون مقصوده فعل حسنة الجهاد والنهي عن المنكر وعقوبة الظالمين لينزجروا ويرتدعوا، وليقوى الإيمان والعمل الصالح عند أهله؛ فإن عقوبة الظالم تمنع النفوس عن ظلمه وتحضها على فعل ضد ظلمه من الإيمان والسنة ونحو ذلك، فإذا لم يكن في هجرانه انزجار أحد ولا انتهاء أحد، بل بطلان كثير من الحسنات المأمور بها؛ لم تكن هجرة مأمورا بها، كما ذكره أحمد عن أهل خراسان إذ ذاك: أنهم لم يكونوا يقوون بالجهمية، فإذا عجزوا عن إظهار العداوة لهم سقط الأمر بفعل هذه الحسنة، وكان مداراتهم فيه دفع الضرر عن المؤمن الضعيف، ولعله أن يكون فيه تأليف الفاجر القوي، وكذلك لما كثر القدر في أهل البصرة، فلو ترك رواية الحديث عنهم؛ لاندرس العلم والسنن والآثار المحفوظة فيهم اهـ.
وراجع في تفصيل هذه المسألة الفتاوى ذوات الأرقام التالية:
14264، 57734 ، 19998 ، 24369، 66092.
والله أعلم.