السؤال
هل يجوز الطبخ في أواني مستعملة آتية من أوربا مع وجود احتمال أن يكون قد طبخ فيها لحم الخنزير؟.
هل يجوز الطبخ في أواني مستعملة آتية من أوربا مع وجود احتمال أن يكون قد طبخ فيها لحم الخنزير؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاستعمال أواني الكفار جائز، لنصوص كثيرة دالة على ذلك وسيأتي بعضها, ولكن إذا غلب على الظن أن هؤلاء الكفار يشربون فيها الخمر أو يضعون فيها الخنزير لم تستعمل أوانيهم إلا بعد الغسل, قال الموفق ـ رحمه الله: والمشركون على ضربين: أهل الكتاب، وغيرهم: فأهل الكتاب يباح أكل طعامهم وشرابهم والأكل في آنيتهم ما لم يتحقق نجاستها، قال ابن عقيل: لا تختلف الرواية في أنه لا يحرم استعمال أوانيهم، وذلك لقول الله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم.
وروي عن عبدالله بن المغفل قال: دلي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته وقلت والله لا أعطي أحدا منه شيئا، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم. رواه مسلم وأخرجه البخاري بمعناه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم: أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة. رواه الإمام أحمد في المسند، وكتاب الزهد.
وتوضأ عمر من جرة نصرانية.
وهل يكره له استعمال أوانيهم ؟ على روايتين:
إحداهما: لا يكره، لما ذكرنا.
والثانية: يكره، لما روى أبو ثعلبة الخشني: قال: قلت يا رسول الله: إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في أوانيهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها. متفق عليه.
وأقل أحوال النهي الكراهة. انتهى.
الضرب الثاني: غير أهل الكتاب ـ وهم المجوس وعبدة الأوثان ونحوهم ـ فحكم ثيابهم حكم ثياب أهل الذمة. وأما أوانيهم: فقال القاضي: لا يستعمل ما استعملوه من آنيتهم، لأن أوانيهم لا تخلو من أطعمتهم وذبائحهم ميتة فلا تخلو أوانيهم من وضعها فيها.
وقال أبو الخطاب: حكمهم حكم أهل الكتاب وثيابهم وأوانيهم طاهرة مباحة الاستعمال ما لم يتيقن نجاستها، وهو مذهب الشافعي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه توضؤوا من مزادة مشركة. متفق عليه.
ولأن الأصل الطهارة، فلا تزول بالشك. انتهى باختصار.
وفي الروض مع حاشيته: وتباح آنية الكفار إن لم تعلم نجاستها, وفاقا لأبي حنيفة والشافعي, فهي طاهرة مباحة الاستعمال, وللأخبار، فإن علمت غسلت لخبر: فاغسلوها. وكغيرها من أواني المسلمين إذا تنجست. ولو لم تحل ذبائحهم كالمجوس، لأنه صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة. متفق عليه. انتهى.
وبين النووي ـ رحمه الله ـ في شرح مسلم: أن استعمال أواني المشركين جائز لا كراهة فيه إلا إن كانوا يستعملونها في النجاسات، فلا تستعمل إلا بعد الغسل، واستعمالها والحال هذه مكروه، فقال ما عبارته: قوله في حديث أبي ثعلبة: إنا بأرض قوم من أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها, وإن لم تجدوا فاغسلوها, ثم كلوا. هكذا روى هذا الحديث البخاري ومسلم.
وفي رواية أبي داود قال: إنا نجاور أهل الكتاب, وهم يطبخون في قدورهم الخنزير, ويشربون في آنيتهم الخمر, فقال رسول الله عليه وسلم: إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا, وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء، وكلوا واشربوا.
قد يقال: هذا الحديث مخالف لما يقول الفقهاء, فإنهم يقولون: إنه يجوز استعمال أواني المشركين إذا غسلت ولا كراهة فيها بعد الغسل ـ سواء وجد غيرها أم لا ـ وهذا الحديث يقتضي كراهة استعمالها إن وجد غيرها، ولا يكفي غسلها في نفي الكراهة, وإنما يغسلها ويستعملها إذا لم يجد غيرها.
والجواب: أن المراد النهي عن الأكل في آنيتهم التي كانوا يطبخون فيها لحم الخنزير, ويشربون الخمر، كما صرح به في رواية أبي داود، وإنما نهى عن الأكل فيها بعد الغسل للاستقذار وكونها معتادة للنجاسة, كما يكره الأكل في المحجمة المغسولة, وأما الفقهاء فمرادهم مطلق آنية الكفار التي ليست مستعملة في النجاسات، فهذه يكره استعمالها قبل غسلها, فإذا غسلت فلا كراهة فيها، لأنها طاهرة وليس فيها استقذار, ولم يريدوا نفي الكراهة عن آنيتهم المستعملة في الخنزير وغيره من النجاسات. انتهى.
والحاصل: أن استعمال هذه الأواني المسؤول عنها جائز, فإن علم أو غلب على الظن كونهم يستعملونها في النجاسات لم تستعمل إلا بعد غسلها, واستعمالها والحال هذه مع وجود غيرها مكروه، كما مر ذلك في كلام النووي ـ رحمه الله.
والله أعلم.