السؤال
لدي سؤال بخصوص الاغتسال للنظافة وليس للتطهر من الجنابة إن كان يجزئ عن الوضوء أم لا
قرأت في فتواكم أنه غير جائز ويجب الوضوء لمراعاة الترتيب. باعتقادي إذا نظرنا إلى المسألة من منظور آخر عن ماهي الغاية المنشودة في الوضوء, كلنا نعلم أنها التطهر وغسل وتنظيف أعضاء الجسم المذكورة قبل الشروع في الصلاة. وهذا المطلب يتحقق في الاستحمام بأي غرض كان. وباعتقادي -والله أعلم- أن الوضوء المذكور في الآية الكريمة: ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين). عندما استفتيت قلبي لم يدر في بالي إلا أنه من المنطقي أن الله عزوجل لن يأمرنا بالاغتسال عند كل صلاة لما في ذلك من مشقة بل يسر لنا ذلك بغسل الأعضاء المرادة وتنظيفها قبل الشروع في الصلاة، والاستحمام يحقق هذه الغاية. فما الفائدة المرجوة عندما أغتسل ثم بعد اغتسالي وتنظفي أتوضأ، يعني كأنما أنظف البيت كاملا ثم بعد ذلك أعود وأنظف غرفتي مرة أخرى وهي من الأساس نظيفة جدا لا تحتاج لتنظيف آخر . أرجو أن أكون قد أوضحت لكم وجهة نظري، والله ورسوله أعلم. أتمنى أن تفيدوني في استفساري بجواب واضح مستقيم لتساؤلي. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنحن ننهاك أولا عن الخوض في الأحكام الشرعية بمجرد العقل فهذا مزلق خطير ومقام دحض قد ضلت فيه أفهام وزلت فيه أقدام.
واعلم هداك الله أن العقل البشري قاصر عاجز، وليس في وسعه أن يدرك جميع أسرار التشريعات وحكم الأحكام، ووظيفته فيما عجز عن إدراك حكمته أن يسلم لله به ويرضى بحكمه جازما أن له فيه حكمة وإن خفيت عليه.
وخذ هذه الشذرة من كلام العلامة العثيمين رحمه الله لعل فيها فائدة لك وللقراء : قبل أن نبدأ الكلام في خصوص تلك المسألة يجب علينا أن نعلم علما يقينا بأن الأحكام الشرعية كلها حكم وكلها في موضعها وليس فيها شيء من العبث والسفه؛ ذلك لأنها من لدن حكيم خبير ولكن هل الحكم كلها للخلق ؟ إن الآدمي محدود في علمه وتفكيره وعقله فلا يمكن أن يعلم كل شيء ولا أن يلهم معرفة كل شيء قال الله تعالى: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. إذن : فالاحكام الشرعية التي شرعها الله لعباده يجب علينا الرضا بها سواء علمنا حكمتها أم لم نعلم لأننا إذا لم نعلم حكمتها فليس معناه أنه لا حكمة فيها في الواقع إنما معناه قصور عقولنا وأفهامنا عن إدراك الحكمة. انتهى.
وننبهك أيضا إلى أن الأحكام الشرعية إنما تتلقى من أهل العلم المعروفين به، ولا مجال لإعمال العقل أوالقول بالخرص والظنون في مثل هذه الأبواب، فقد يقع الخائض في ذلك في القول على الله بغير علم وهو من أكبر الكبائر والعياذ بالله : قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون. {33}.
وأما ما ورد في سؤالك من الإشكال فإن جوابه سهل جدا لو تأملت أدنى تأمل، فقد يكون تنظيف الأعضاء المذكورة من الحكم التي لأجلها شرع الوضوء، وليس هو الحكمة الوحيدة التي يدور معها الحكم وجودا وعدما بدليل أن المسلم إذا أحدث وهو متوضئ لزمه أن يعيد الوضوء بإجماع المسلمين، وإن كانت أعضاؤه في غاية النظافة، ثم إن الوضوء عبادة لها شروط متى انتفت أو انتفى واحد منها لم توجد حقيقته المأمور بها شرعا، فمن اغتسل غسل تنظف أو تبرد ولم ينو الوضوء لم يكن متوضئا، لأن الوضوء عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى، وما كان كذلك فهو مفتقر إلى النية لقوله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات. واشتراط النية لصحة الوضوء هو مذهب الجماهير من العلماء، وكذلك الترتيب واجب في الوضوء على الراجح فمن غسل أعضاء الوضوء منكسا لم يأت بالوضوء الذي شرعه الله فلم يرتفع حدثه بذلك، وأما ما ضربته من المثال بالبيت والحجرة فلا وجه له لما بيناه لك من أن تنظيف تلك الأعضاء ليس هو الحكمة الوحيدة من الوضوء وقد يكون بعض الحكمة التي لأجلها شرع الوضوء، ولا شك في أن من حكم الوضوء التعبد لله بما أمر به من غسل تلك الأعضاء على تلك الكيفية، فإذا لم يمتثل العبد ما أمر به الله تعالى لم يكن متقربا إليه، وإذا لم يفعل العبادة على وجهها المشروع لم تكن مجزئة عنه وهذا بين واضح لا خفاء به.
والله أعلم.