الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتقييد الحديث الوارد في السؤال بمن يحدث بالحديث ويظن الناس أنه صادق، لم نجده فيما اطلعنا عليه من كتب أهل العلم، وهذا المحمل مخالف لعموم الحديث وإطلاقه، الذي يقتضي منع الكذب جملة لأجل إضحاك الناس، قال الصنعاني في (سبل السلام): الحديث دليل على تحريم الكذب لإضحاك القوم، وهذا تحريم خاص. ويحرم على السامعين سماعه إذا علموه كذبا؛ لأنه إقرار على المنكر بل يجب عليهم النكير أو القيام من الموقف، وقد عد الكذب من الكبائر. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): المتحدث بأحاديث مفتعلة ليضحك الناس أو لغرض آخر عاص لله ورسوله، وقد روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له ثم ويل له". وقد قال ابن مسعود: إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يعد أحدكم صبيه شيئا ثم لا ينجزه. وأما إن كان في ذلك ما فيه عدوان على مسلم وضرر في الدين فهو أشد تحريما من ذلك. وبكل حال ففاعل ذلك مستحق للعقوبة الشرعية التي تردعه عن ذلك. اهـ.
وقال كما في (مختصر الفتاوى المصرية): الذي يحدث ليضحك الناس ويل له ثم ويل له، والمصر على ذلك فاسق مسلوب الولاية مردود الشهادة. وما كان مباحا في غير حال القراءة مثل المزاح الذي جاءت به الآثار وهو أن يمزح ولا يقول إلا صدقا لا يكون في مزاحه كذب. اهـ.
وقال الشيخ ابن باز: التفكه بالكلام والتنكيت إذا كان بحق وصدق فلا بأس به، ولا سيما مع عدم الإكثار من ذلك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقا صلى الله عليه وسلم، أما ما كان بالكذب فلا يجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له" أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد. اهـ.
وسئل الشيخ: في كلام البعض - وحين مزاحهم مع الأصدقاء - يدخل شيء من الكذب للضحك، فهل هذا محظور على الإسلام ؟ فأجاب: نعم، هو محظور في الإسلام؛ لأن الكذب كله محظور ويجب الحذر منه؛ قال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ..." ... وعلى هذا؛ فيجب الحذر من الكذب كله سواء من أجل أن يضحك به القوم أو مازحا أو جادا. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في (لقاءات الباب المفتوح): لا يجوز الكذب في الطرائف كما يقولون؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو على الأقل بسند حسن أنه قال: "ويل لمن يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له! ثم ويل له!" وهذا يدل على أنه لا يجوز؛ لأن الوعيد بويل من أدلة تحريم العمل. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 79083، 17608، 46391.
ثم ننبه أخيرا على أن ضرب الأمثال ونحو ذلك، بالقصص الافتراضية: لا يدخل في ذلك، ما دام الغرض ليس هو إضحاك الناس، قال الشيخ ابن عثيمين: الإنسان إذا ضرب مثلا بقصة، مثل أن يقول: أضرب لكم مثلا برجل قال كذا أو فعل كذا وحصلت ونتيجته كذا وكذا، فهذه لا بأس بها، حتى إن بعض أهل العلم قال في قول الله تعالى: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب [الكهف:32] قال: هذه ليست حقيقة واقعة. وفي القرآن: ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون [الزمر:29] فإذا ذكر الإنسان قصة لم ينسبها إلى شخص معين، لكن كأن شيئا وقع وكانت العاقبة كذا وكذا، فهذا لا بأس به. أما إذا نسبه إلى شخص وهي كذب فهذا حرام، تكون كذبة. وكذلك إذا كان المقصود بها إضحاك القوم، فإنه قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "ويل لمن حدث فكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له" اهـ.
والله أعلم.