السؤال
يا شيخ: كنت في عمر 13سنة وكنا ـ أنا وأهلي ـ قد ذهبنا إلى العمرة، وأثناء طريقنا إلى مكة وصلنا إلى المدينة المنورة وهناك نزلت علي الدورة ولم أخبر أهلي حياء وخجلا منهم وأحرمنا ونوينا العمرة ثم ذهبنا وأديت العمرة مع أهلي وتحللت، وفي هذه السنة قرر أهلي أن أحج، لكنني أرفض ولم أخبرهم بسبب رفضي فهل علي شيء؟ وإذا حججت، فهل حجي صحيح أم لا؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أخطأت خطئا عظيما حين قدمت الحياء من الناس على الحياء من الله عز وجل، وهو تعالى أحق أن يستحى منه من الناس، وإذا كنت قد طفت بالبيت وأنت حائض، فإن طوافك هذا لم يقع صحيحا عند جمهور العلماء، فإن الحائض لا يجوز لها الطواف ولا يصح منها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة ـ رضي الله عنها: افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري.
متفق عليه.
قال الشوكاني ـ رحمه الله: والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل، والنهي يقتضي الفساد المرادف للبطلان فيكون طواف الحائض باطلا وهو قول الجمهور، وذهب جمع من الكوفيين إلى أن الطهارة غير شرط.
انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية: فإن طافت وهي حائض، فلا يصح طوافها عند الجمهور - المالكية والشافعية والحنابلة - وذهب الحنفية إلى صحته مع الكراهة التحريمية، لأن الطهارة له واجبة، وهي غير طاهرة، وتأثم وعليها بدنة.
انتهى.
فإذا علمت هذا، فإنك لا تزالين على إحرامك على قول الجمهور ـ وهو الراجح عندنا ـ ومن أحرم بالحج أو العمرة لا يجوز له أن يتحلل حتى يتم نسكه، لقوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله.
{ البقرة: 186}.
ومن ثم، فالواجب عليك ـ على هذا القول ـ هو أن تكفي عما يكف عنه المحرم من المحظورات ثم تذهبي إلى مكة فتطوفي بالبيت وتسعي بين الصفا والمروة ثم تتحللي من إحرامك، قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله: إذا أحرمت المرأة بالعمرة وأتاها الحيض، فإن إحرامها لا يبطل، بل تبقى على إحرامها، وهذه المرأة التي أحرمت بالعمرة وخرجت من مكة ولم تطف ولم تسع، لا تزال في عمرتها، وعليها أن ترجع إلى مكة وأن تطوف وتسعى وتقصر حتى تحل من إحرامها، ويجب عليها أن تتجنب جميع محظورات الإحرام ـ من الطيب وأخذ الشعر، أو الظفر، وعدم قربها من زوجها إن كانت ذات زوج ـ حتى تقضي عمرتها، اللهم إلا أن تكون قد خافت من مجيء الحيض فاشترطت عند إحرامها، أن محلها حيث حبست، فإنه لا شيء عليها إذا تحللت.
انتهى.
فإذا فعلت ما وجب عليك مما أرشدناك إليه فقد تحللت من عمرتك ولك أن تحجي بعد هذا إن شئت، بل الحج يكون واجبا عليك إن توفرت لك الاستطاعة، لأن الراجح أن الحج واجب على المستطيع على الفور، ويجوز لك أن تدخلي الحج على العمرة وتصيرين قارنة، فلا تتحللين من إحرامك بهما إلا بعد فراغك من حجتك ما دمت لم تشرعي في طواف العمرة، فإن طوافك السابق غير معتد به، ولا يمنع من ذلك كونك أحرمت بالعمرة في غير أشهر الحج، فإن إدخال الحج على العمرة يجوز قبل الشروع في طواف العمرة، وإن أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج على الراجح، قال النووي ـ رحمه الله: فلو أحرم بالعمرة ثم أدخل عليها الحج ـ أي أحرم به ـ نظر إن أدخل في غير أشهر الحج لغا إدخاله ولم يتغير إحرامه بالعمرة، وإن أدخله في أشهره نظر إن كان أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج ففي صحة إدخاله وجهان:
أحدهما: أنه لا يصح الإدخال، لأنه يؤدي إلى صحة الإحرام بالحج قبل أشهره.
وأصحهما: يصح، لأنه أحرم بكل واحد منهما في وقته، ولأنه إنما يصير محرما بالحج في حال إدخاله.
انتهى باختصار.
وإن تعذر عليك الرجوع إلى مكة وإتمام النسك فحكمك حكم المحصر، فتتحللين بذبح هدي وتقصرين، فإن عجزت عن الهدي صمت عشرة أيام قياسا على من عجز عن دم التمتع، جاء في حواشي التحفة: ومن حاضت قبل طواف الإفاضة تبقى على إحرامها وإن مضى عليها أعوام، نعم لو عادت إلى بلدها أي شرعت في العود فيه وهي محرمة عادمة للنفقة ولم يمكنها الوصول للبيت الحرام كان حكمها كالمحصر فتتحلل بذبح شاة وتنوي التحلل.
انتهى.
وهذا كله على قول الجمهور ـ من أن الطهارة شرط لصحة الطواف ـ وأما على قول الحنفية ورواية عن أحمد ـ وهو أن الطهارة من الحيض واجبة في الطواف وليست شرطا في صحته ـ فإن عمرتك صحيحة، ولكن تلزمك بدنة تذبح في مكة وتقسم على فقراء الحرم، وقد بينا من قبل أن الفتوى بالقول المرجوح عند فوات الأمر وصعوبة التدارك مما سوغه كثير من العلماء، وقد رخص بعض الشافعية في تقليد المذهب الحنفي في هذه المسألة عند الحاجة، ففي حواشي التحفة: وبحث بعضهم أنها إن كانت شافعية تقلد الإمام أبا حنيفة أو أحمد ـ على إحدى الروايتين عنده ـ في أنها تهجم وتطوف بالبيت، وتلزمها بدنه وتأثم بدخولها المسجد حائضا ويجزئها هذا الطواف عن الفرض، لما في بقائها على الإحرام من المشقة.
انتهى.
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 125010.
والله أعلم.