حكم الاستعاذة من عذاب جهنم والصلاة الإبراهيمية عقب التشهد الأخير

0 363

السؤال

لقد اطلعت في فتاوى سابقة عندكم عن حكم التعوذ من النار في الجلوس الأخير في الصلاة، ولكن أرجو منكم أن تفصلوا أكثر في المسألة مع بيان أدلة المخالفين وردكم عليها، وما الدليل على ركنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجلوس الأخير؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالاستعاذة من عذاب جهنم في التشهد الأخير مشروعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال. رواه مسلم.

قال في سبل السلام: والحديث دليل على وجوب الاستعاذة مما ذكر، وهو مذهب الظاهرية، وقال ابن حزم منهم: ويجب أيضا في التشهد الأول، عملا منه بإطلاق اللفظ المتفق عليه، وأمر طاوس ابنه بإعادة الصلاة لما لم يستعذ فيها، فإنه يقول بالوجوب، وبطلان صلاة من تركها، والجمهور حملوه على الندب... اهـ.

وما يدل على عدم الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود عقب التشهد:... ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو...  فلم يأمر بالاستعاذة من تلك الأربع، بل جعل للمصلي الخيار في اختيار ما يشاء من الدعاء، ولذا بوب البخاري رحمه الله تعالى بابا بعد أن ذكر بعض أحاديث الدعاء بعد التشهد ومنها حديث الاستعاذة من الأربع فقال: باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب.

قال الحافظ في شرحه لعنوان الباب: يشير إلى أن الدعاء السابق في الباب الذي قبله لا يجب وإن كان قد ورد بصيغة الأمر كما أشرت إليه، لقوله في آخر حديث التشهد " ثم ليتخير... وقال الزين ابن المنير: قوله ثم ليتخير وإن كان بصيغة الأمر لكنها كثيرا ما ترد للندب.... وقال ابن المنذر: لولا حديث ابن مسعود ثم ليتخير من الدعاء لقلت بوجوبها... اهـ مختصرا.

وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، فهي ركن عند الشافعية والحنابلة، سنة عند آخرين، قال النووي في شرح مسلم: اعلم أن العلماء اختلفوا في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب التشهد الأخير في الصلاة، فذهب أبو حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى والجماهير إلى أنها سنة لو تركت صحت الصلاة، وذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى إلى أنها واجبة لو تركت لم تصح الصلاة.. اهـ، وقد استدل من قال بركنيتها بعدة أدلة منها:

الدليل الأول: آية سورة الأحزاب، قال في كشاف القناع:... ولقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما {الأحزاب: 56} والأمر للوجوب ولا موضع تجب فيه الصلاة أولى من الصلاة.

الدليل الثاني: حديث كعب بن عجرة، قال في الشرح الكبير على المغني: لنا ما روى كعب بن عجرة قال إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل ابراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى أل محمد كما باركت على آل ابراهيم إنك حميد مجيد. متفق عليه.

قال النووي في شرح مسلم: وهذا القدر لا يظهر الاستدلال به إلا إذا ضم إليه الرواية الأخرى كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد إلى آخره.

وقال ابن عثيمين: لكن إذا تأملت هذا الحديث لم يتبين لك منه أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن، لأن الصحابة إنما طلبوا معرفة الكيفية؛ كيف نصلي؟ فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إليها، ولهذا نقول: إن الأمر في قوله: قولوا ليس للوجوب، ولكن للإرشاد والتعليم، فإن وجد دليل غير هذا يأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فعليه الاعتماد، وإن لم يوجد إلا هذا فإنه لا يدل على الوجوب، فضلا عن أن يدل على أنها ركن. اهـ.

الدليل الثالث: حديث فضالة بن عبيد، قال في الشرح الكبير في الموطن السابق ذكره: .... وعن فضالة بن عبيد قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجل هذا. ثم دعاه فقال له: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بما شاء. رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح، وهذا الحديث استدل به أيضا من لم ير وجوب الصلاة عقب التشهد.

قال ابن عبد البر في التمهيد: ففي حديث فضالة هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المصلي إذ لم يصل على النبي عليه السلام في صلاته بالإعادة فدل على أن ذلك ليس بفرض ولو ترك فرضا لأمره بالإعادة كما أمر الذي لم يقم ركوعه ولا سجوده بالإعادة وقال له ارجع فصل فإنك لم تصل.

الدليل الرابع: حديث ابن مسعود، قال في الموطن السابق:... وعن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد. رواه البيهقي اهـ. والحديث ضعف سنده الألباني في ضعيف الجامع برقم: 1444.

ومن أراد المزيد حول أدلة الفريقين فليرجع إلى كتب الفقه وشروح الحديث، وقد ذكر ابن عبد البر في التمهيد جملة من أدلة من قال بركنية الصلاة بعد التشهد ثم قال:... ليس ما احتجوا به عندي بلازم لما فيه من الاعتراض، ولست أوجب الصلاة على النبي عليه السلام في الصلاة فرضا من فروض الصلاة، ولكني لا أحب لأحد تركها في كل صلاة فإن ذلك من تمام الصلاة... اهـ.

وبهذا تعلم خلاف العلماء في هذه المسألة وأدلتهم، ولا ريب أن الاحتياط والأبرأ للذمة هو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات