السؤال
السؤال: حول الطلاق مقابل التنازل عن جزء من المهر: هو طلاق بنص الحديث الصحيح: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة. أفتى أستاذ فقه مقارن بأنه لا يوجد اجتهاد مع الحديث في هذه المسألة مع الحديث الأمر محسوم هو طلاق يعد من الطلقات الثلاث، لماذا البعض يجتهد في الآية ويقول إن الافتداء لا يحسب من التطليقات لوجوده في منتصف الآية؟ أليس لا اجتهاد مع نص؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب التسليم والانقياد لكل نص صحيح من الكتاب أو السنة لقوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم {الأحزاب:36}
ويحرم الاجتهاد مع وجود هذا النص كما سبق في الفتوى رقم: 137810.
ولكن النص الذي يحرم معه الاجتهاد هو ما كان صحيحا وصريحا، وأما ما اختل فيه شيء من ذلك فإنه يسوغ معه الاجتهاد.
والطلاق مقابل التنازل عن جزء من المهر يعتبر خلعا، وقد اختلف أهل العلم هل هو فسخ أم طلاق؟ ورواية الحديث التي استدل بها الأستاذ المذكور قد ذهب بعض أهل العلم إلى إرسالها، والمرسل معدود من الضعيف. ومن أهل العلم من له منهج في تصحيح بعض المراسيل. وعلى القول بصحة الرواية المذكورة فيتعين الأخذ بها وعدم مخالفتها، والخلاف في هذه المسألة قديم غير محسوم من عصر الصحابة فمن بعدهم، فقد كان ابن عباس لا يري الخلع طلاقا وروي ذلك عن ابن عمر وعثمان ابن عفان وبعض التابعين وهو رواية عن الشافعي واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع متحدثا عن الخلع: فإن وقع بلفظ الطلاق فهو طلاق كما سبق، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وهو قول وسط بين قولين. القول الثاني : أنه طلاق بكل حال حتى لو وقع بلفظ الخلع أو الفسخ، وهذا القول لا شك أنه ضعيف. القول الثالث: أنه فسخ بكل حال ولو وقع بلفظ الطلاق، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وهو المنصوص عن أحمد، وقول قدماء أصحابه، كما حكاه شيخ الإسلام، وعلى هذا فلا عبرة باللفظ، بل العبرة بالمعنى، فما دامت المرأة قد بذلت فداء لنفسها، فلا فرق أن يكون بلفظ الطلاق، أو بلفظ الخلع، أو بلفظ الفسخ. وهذا القول قريب من الصواب، لكنه ما زال يشكل عندي قول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لثابت بن قيس رضي الله عنه: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة بهذا اللفظ، إلا أن الرواة اختلفوا في نقل هذا الحديث، فالحديث الذي فيه طلقها تطليقة كأن البخاري يميل إلى أنه مرسل، وليس متصلا، وأما الأحاديث الأخرى: فاقبل الحديقة وفارقها بهذا اللفظ، فإذا تبين أن الراجح من ألفاظ الحديث: اقبل الحديقة وفارقهافلا شك إن الصواب قول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ومن تابعه، وأما إذا صحت اللفظة: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة فإنه واضح أنه طلاق، ولا يمكن للإنسان أن يحيد عنه، وتحمل رواية فارقها على أن المراد فارقها فراق طلاق. انتهى
أما الآية التي أشرت إليها فقد وقع الخلاف في دلالتها، فمنهم من رأى أنها دليل لكون الخلع ليس بطلاق؛ لأن الله تعالى ذكر الطلاق مرتين، ثم ذكر الخلع ثم قال بعد ذلك: فإن طلقها فلا تحل له من بعد... الآية فلو كان الخلع طلاقا لصارت الطلقات أربعا، وهذا خلاف إجماع المسلمين، لكن هذا الاستدلال ضعفه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان حيث قال: أخذ ابن عباس من هذه الآية الكريمة أن الخلع فسخ ولا يعد طلاقا؛ لأن الله تعالى قال: {الطلاق مرتان}، ثم ذكر الخلع بقوله: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [2/229]؛ لم يعتبره طلاقا ثالثا، ثم ذكر الطلقة الثالثة بقوله: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد} الآية [2/230]. وبهذا قال عكرمة وطاوس وهو رواية عن عثمان بن عفان وابن عمر، وهو قول إسحاق بن راهويه، وأبي ثور وداود بن علي الظاهري كما نقله عنهم ابن كثير وغيره، وهو قول الشافعي في القديم وإحدى الروايتين عن أحمد. قال مقيده عفا الله عنه: الاستدلال بهذه الآية على أن الخلع لا يعد طلاقا ليس بظاهر عندي؛ لما تقدم مرفوعا إليه صلى الله عليه وسلم من أن الطلقة الثالثة هي المذكورة في قوله: {أو تسريح بإحسان}، وهو مرسل حسن.
قال في "فتح الباري": والأخذ بهذا الحديث أولى، فإنه مرسل حسن يعتضد بما أخرجه الطبري من حديث ابن عباس بسند صحيح، قال: "إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في الثالثة، فإما أن يمسكها فيحسن صحبتها، أو يسرحها فلا يظلمها من حقها شيئا.انتهى
وقال الشيخ ابن عثيمين مبينا للاستدلال في تفسيره : ومنها: أن الخلع ليس بطلاق؛ لقوله تعالى: {الطلاق مرتان} [البقرة: 229] ، ثم قال تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] ، ثم قال تعالى: { فإن طلقها فلا تحل له } الآية؛ ولو كان الخلع طلاقا لكان قوله تعالى: { فإن طلقها } هي الطلقة الرابعة؛ وهذا خلاف إجماع المسلمين؛ لأن المرأة تبين بالطلاق الثلاث بإجماعهم؛ انتهى
والله أعلم.