السؤال
كما تعلمون يوجد في العراق مساجد فيها بدع مثل تخصيص يوم الجمعة لقراءة القرآن وقراءة الصلاة الإبراهيمية في الأذان وغيرها، هل يجوز أن أصلي في مثل هذه المساجد؟
كما تعلمون يوجد في العراق مساجد فيها بدع مثل تخصيص يوم الجمعة لقراءة القرآن وقراءة الصلاة الإبراهيمية في الأذان وغيرها، هل يجوز أن أصلي في مثل هذه المساجد؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان مرادك بقراءة القرآن يوم الجمعة ما يحصل في كثير من بلاد المسلمين من قراءة القارئ جهرا والناس يسمعون قبل الصلاة فهذا فعل محدث، وقد بينا بعض المحاذير المترتبة على هذا الفعل في الفتوى رقم: 49188.
وأما إن كان المراد أن الناس يقرأون القرآن في ذلك اليوم وكل يقرأ لنفسه فهذا فعل حسن مشروع، وأما الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان فهو من الأمور الحادثة، وقد اختلف العلماء في مشروعيته.
قال الحطاب في مواهب الجليل: قال السخاوي في القول البديع: وقد أحدث المؤذنون الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عقب الأذان للفرائض الخمس إلا الصبح والجمعة فإنهم يقدمون ذلك قبل الأذان وإلا المغرب فلا يفعلونه لضيق وقتها، وكان ابتداء حدوثه في أيام الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وبأمره، وقد اختلف في ذلك ، هل هو مستحب أو مكروه أو بدعة أو مشروع . انتهى.
والراجح عدم مشروعية هذا الفعل لكونه لم ينقل عن السلف وإن كان أصل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعا بعد الأذان.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله: أما فعل المؤذنين في المساجد لهذا يجهرون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الفراغ من الآذان، وكذلك الجهر بالدعاء المأثور اللهم رب هذه الدعوة التامة فهذا لا شك أنه بدعة ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأما إذا قاله الإنسان سرا فلا شك أنه مسنون لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بإجابة المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم دعاء الله تعالى أن يجعل الوسيلة لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام إن من فعل ذلك حلت له شفاعته يوم القيامة أما الجهر به في المآذن وصلته بالآذان فهذا بدعة. انتهى.
وعلى كل فإن وجود شيء من البدع في المسجد سواء ما ذكر أو غيره لا يمنع من صحة الصلاة فيه، فإن الأرض كلها جعلت للنبي صلى الله عليه وسلم مسجدا، وينبغي للمسلم أن يجتهد في بيان السنة ومناصحة من يتلبس بشيء من البدع بعد التحقق من كون ما يفعلونه بدعة، فيبين لهم السنة بلين ورفق ويعلمهم أن أحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن انتصحوا فبها، وإن لم ينتصحوا لم يترك الصلاة في المسجد لأجل هذا، بل يصلى فيها تحصيلا لفضيلة الصلاة في المسجد وخروجا من خلاف من أوجب شهود الجماعة في المساجد، وله صلاته وعلى المخالفين تبعة مخالفتهم، ولا يترك حقا لباطل.
وقد قال الإمام أحمد في نحو هذا: إذا رأى الرجل قد شق ثوبه على المصيبة عزاه ولم يترك حقا لباطل. انتهى.
وإن وجد مسجدا خال من هذه البدع فالصلاة فيه أولى، وقد جاء عن ابن عمر أنه ترك الصلاة في مسجد لأجل نحو هذا.
قال ابن رجب في الفتح : والثاني: أن يكون العذر مانعا من الصلاة في المسجد كبدعة إمامه ونحوه، فيجوز الخروج منه - أيضا - للصلاة في غيره ، كما فعل ابن عمر - رضي الله عنه روى أبو داود من حديث أبي يحيى القتات، عن مجاهد، قال: كنت مع ابن عمر، فثوب رجل في الظهر أو العصر، فقال: اخرج بنا؛ فإن هذه بدعة. انتهى.
فهذا يدل على أن الصلاة في مسجد خال من هذه البدع إن أمكن هو الأولى، وإن لم يمكن فلا تعطل المساجد وتهجر ويفوت الإنسان على نفسه فضيلة شهود الصلاة فيها، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
والله أعلم.