السؤال
هل النسخ الوارد في قوله تعالى: ما ننسخ من آية. المراد به نسخ الشرائع كلما اقتضت الحكمة ذلك. ويكون ذكر الآية من ذكر الجزء وإرادة الكل؟
هل النسخ الوارد في قوله تعالى: ما ننسخ من آية. المراد به نسخ الشرائع كلما اقتضت الحكمة ذلك. ويكون ذكر الآية من ذكر الجزء وإرادة الكل؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن الله تعالى ينسخ من التشريعات ما شاء كلما اقتضت الحكمة ذلك، ولا شك أن الشرائع السابقة لشريعة الإسلام قد نسختها شريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله ختم بها جميع الشرائع، وأرسله إلى الإنس والجن.
وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة : يهودي ولا نصراني، ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم.
و قد نقل ابن حجر رحمه الله في الفتح الإجماع على ان الإسلام نسخ جميع الشرائع السابقة.
وأما قول الله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير{ البقرة: 106}
فمعناه كما قال ابن جرير : (ما ننسخ) أي: ما ننقل من حكم آية إلى غيره، فنبدله ونغيره، وذلك أن نحول الحلال حراما، والحرام حلالا، والمباح محظورا، والمحظور مباحا، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ. انتهى المراد منه.
فقد دل هذا الكلام على أن المراد ما ينسخ من حكم آية إلى غيره ويدل لهذا سبب نزولها.
فقد قال الواحدي في أسباب النزول: قال المفسرون: إن المشركين قالوا: أترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا، ما هذا في القرآن إلا كلام محمد يقوله من تلقاء نفسه، وهو كلام يناقض بعضه بعضا، فأنزل الله: وإذا بدلنا آية مكان آية...... الآية: وأنزل أيضا: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها... الآية. انتهـى.
وقال القرطبي في تفسيره: ... وهذه آية عظمى في الأحكام، وسببها أن اليهود لما حسدوا المسلمين في التوجه إلى الكعبة وطعنوا في الإسلام بذلك، وقالوا: إن محمدا يأمر أصحابه بشيء ثم ينهاهم عنه، فما كان هذا القرآن إلا من جهته، ولهذا يناقض بعضه بعضا، فأنزل الله: وإذا بدلنا آية مكان آية. وأنزل: ما ننسخ من آية.... اهـ,
ومن أمثلة هذا ما ذكر في الحديث أنه نسخت الآيات الأولى من سورة المزمل: يا أيها المزمل*قم الليل إلا قليلا*نصفه أو انقص منه قليلا*أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا {المزمل:4،3،2،1}
بالآية التي في آخر السورة : إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه {المزمل:20}
ففي صحيح مسلم عن سعد بن هشام أنه سأل عائشة فقال: يا أم المؤمنين؛ أنبئيني عن قيام نبي الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أليس تقرأ هذه السورة يا أيها المزمل؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة. انتهى
والله أعلم.