السؤال
لم يعد لدي صبر، ولا أعرف من أين يأتي الصبر، لا شيء في الدنيا يصبرنا. حتى الدعاء لنفسي لم أعد أفعله ، الدعاء ليس شيئا سهلا فأنا أدعو وكلي أمل ويقين ثم لا يستجاب دعائي، فأفقد الأمل في هذه الدنيا كلها. أخاف أن أشعر نفسي بالأمل ثم أصاب بالخيبة مثلما حدث أو مثلما يحدث كثيرا ، أشعر أن الدنيا لا تعطي للإنسان شيئا جميلا، ولو أعطته يكون هناك مقابل مثلا : لكي أعيش وأتزوج إنسانا خلوقا ونعيش عيشة كريمة قد يحرمني الله من شيء أعز، لا أعرف أهي نظرة تشاؤمية أم أن هذا الواقع الذي أراه وأسمعه كل يوم في هذه الدنيا.. أخشى على نفسي من القنوط واليأس.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه أن يصلح لك الحال والمآل، وأن يوفقك لمرضاته ويصرف عنك كيد الشيطان وشره. واعلمي أيتها السائلة الكريمة أن حسن الظن بالله سبحانه من الطاعات التي أمر الله بها عباده، وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم. فعن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل. رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه.
كما أن إساءة الظن بالله من المعاصي العظيمة، وهي من صفات المشركين والمنافقين قال سبحانه:
ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا {الفتح: 6}
فالواجب على المسلم إحسان الظن بربه في كل وقت وعلى كل حال.
أما بخصوص الدعاء فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من استعجال إجابة الدعاء، فقال صلى الله عليه وسلم : لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل ، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي، فيتحسر عند ذلك ويدع الدعاء. رواه مسلم.
فاتقي الله تعالى وثقي به ولا تملي من دعائه. وراجعي بعض أسباب إجابة الدعاء في الفتوى رقم: 115710.
واعلمي أنه لا تلازم بين إجابة الدعاء وتحقيق المطلوب، فقد يستجيب الله دعاء عبده، ولكن لا يحقق له خصوص ما يطلبه بدعائه، يدل لهذا قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
فعليك أن ترضي بقضاء ربك لك في كل حال، لأن الله هو العالم بالأمور على الحقيقة، أما الإنسان فمحجوب عنه الغيب، وقد يدعو بأمر هو في ظاهره خير له، ولا يدري أن وراءه عطبه وهلكته، فيصرفه عنه ربه برحمته وحكمته. قال الله سبحانه: ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا {الإسراء:11}.
والمعنى: أن الإنسان يدعو بما يحسبه خيرا وهو في الحقيقة شر، وهذا راجع لفرط تعجله وقلقه، جاء في تفسير الرازي: أقول: يحتمل أن يكون المراد : أن الإنسان قد يبالغ في الدعاء طلبا لشيء يعتقد أن خيره فيه ، مع أن ذلك الشيء يكون منبع شره وضرره ، وهو يبالغ في طلبه لجهله بحال ذلك الشيء ، وإنما يقدم على مثل هذا العمل لكونه عجولا مغترا بظواهر الأمور غير متفحص عن حقائقها وأسرارها. انتهى
ونحذرك من الاستمرار في هذه النظرة التشاؤمية لأن عواقبها وخيمة، وقد تؤدي بالإنسان إلى اليأس والقنوط وهذا ذنب عظيم من أخلاق الكافرين الذين لا يرجون بعثا ولا نشورا. قال سبحانه: ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون {يوسف:87}، وقال سبحانه: والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم {العنكبوت:23}.
والله أعلم.