السؤال
هل صح أن سورة الفلق نزلت لرقيته صلى الله عليه وسلم ؟وهل رد الجصاص ذلك ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فان رقية النبي صلى الله عليه وسلم
وأما كون سبب نزولهما رقية النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد ذكر بعض المفسرين هذا الأمر.
ففي أسباب النزول للشيخ الواحدي: قال المفسرون: كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت إليه اليهود ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك لبيد بن أعصم اليهودي ثم دسها في بئر لبني زريق يقال لها ذروان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر شعر رأسه ويرى أنه يأتي نساءه ولا يأتيهن وجعل يدور ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم ذات يوم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال الذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طب قال: وما طب؟ قال: سحر قال: ومن سحره؟ قال: لبيد بن أعصم اليهودي قال: وبم طبه؟ قال: بمشط ومشاطة قال: وأين هو؟ قال: في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان. والجف: قشر الطلع والراعوفة: حجر في أسفل البئر يقوم عليه المائح. فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عائشة ما شعرت أن الله أخبرني بدائي، ثم بعث عليا والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف فإذا هو مشاطة رأسه وأسنان مشطه، وإذا وتر معقد فيه أحد عشر عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله تعالى سورتي المعوذتين فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل عليه السلام يقول: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن حاسد وعين الله يشفيك. فقالوا: يا رسول الله أو لا نأخذ الخبيث فنقتله فقال: أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شرا.
وفي لباب النزول للسيوطي: وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال: صنعت اليهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فأصابه من ذلك وجع شديد فدخل عليه أصحابه فظنوا أنه لما به، فأتاه جبريل بالمعوذتين فعوذه بهما فخرج إلى أصحابه صحيحا. اهـ
وقد قال بهذا البغوي والقرطبي وابن الجوزي وعزاه ابن الملقن للرافعي.
وقال ابن حجر في الفتح: وفي حديث زيد بن أرقم عند عبد بن حميد وغيره: فأتاه جبريل فنزل عليه بالمعوذتين وفيه فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية فجعل يقرأ ويحل حتى قام كأنما نشط من عقال. اهـ
قال الألباني في السلسلة الصحيحة: زيادة نزول جبريل بـ ( المعوذتين ) سندها صحيح أيضا. ولها شاهد من حديث عمرة عن عائشة قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه يقال له : لبيد بن أعصم ، وكانت تعجبه خدمته ، فلم تزل به يهود حتى سحر النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان صلى الله عليه وسلم يذوب ولا يدري ما وجعه ، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذ أتاه ملكان ، فجلس أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه : ما وجعه ؟ قال: مطبوب . فقال : من طبه ؟ قال : لبيد بن أعصم . قال : بم طبه ؟ قال : بمشط ومشاطة وجف طلعة ذكر بـ ( ذي أروى ) ، و هي تحت راعوفة البئر . فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا عائشة فقال : يا عائشة ! أشعرت أن الله قد أفتاني بوجعي ، فلما أصبح غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغدا أصحابه معه إلى البئر ، وإذا ماؤها كأنه نقيع الحناء ، وإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سيفه كأنه رؤوس الشياطين ، قال : فنزل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوفة ، فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مشاطة رأسه ، وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وإذا فيها إبر مغروزة، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة ، فأتاه جبريل بـ ( المعوذتين ) فقال : يا محمد*( قل أعوذ برب الفلق )* وحل عقدة ، *( من شر ما خلق )* وحل عقدة حتى فرغ منها ، وحل العقد كلها ، وجعل لا ينزع إبرة إلا وجد لها ألما ثم يجد بعد ذلك راحة . فقيل : يا رسول الله ! لو قتلت اليهودي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد عافاني الله عز وجل ، وما وراءه من عذاب الله أشد....اهـ
ثم أفاض في الكلام على تخريجه.
وأما رد الجصاص لذلك فلم نطلع عليه وإنما وجدناه ذكر في أحكام القرآن أنه جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرقاه بالمعوذتين.
ثم إنا قد بينا في الفتوى رقم: 137839خلاف أهل العلم في الفلق والناس هل هما مكيتان أو مدنيتان.
وعلى القول بمكيتهما فإنهما تكونان نزلتا قبل السحر الذي عمله اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.