السؤال
جزاكم الله خيرا على الموقع الجميل: أود أن أستفسر عن الاستغفار هل يجب مع ذكر المعاصي ـ أي أنني أقول أستغفر الله وأتذكر المعاصي التي فعلتها؟ وهل يقبل مني الاستغفار إذا كنت أستغفر الله وأنا أفكر في شيء آخر أو كان ذهني مشغولا في شيء آخر، فمثلا: وأنا العب في الكمبيوتر لعبة الكرة وأستغفر، أو أفكر في دراستي، أو أي شيء آخر؟ والشيء الآخر أنني عندما أستغفر وأتذكر المعاصي تغلب شهوتي على الاستغفار وكلما استغفرت لا أركز فذهني يكون مشدودا ومسيطرا عليه بالشهوات التي رأيتها فأعصي مرة أخرى في نفس الثانية، وأيضا عندما أقرأ الأذكار يشرد ذهني إلى مكان آخر فأعيد فيشرد وهكذا بدل مرة واحدة أقول أكثر من 3 لأنني أتوقع أنه لم ولن يتقبل مني وأنا شارد الذهن في أمور الدنيا، فأرجو أن توضحوا لي الأمور، كما أريد جميع أرقام الفتاوى السابقة على إيميلي.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيشرع عندما يتذكر العبد ذنبه أن يستغفر الله منه كما يشرع أن يستغفر من الذنوب كلها من غير أن يتذكر الذنوب ويعمم الاستغفار فيما تذكر منها وما لم يكن عالما به، ويدل لهذا العموم كثرة استغفار النبي صلى الله عليه وسلم وتوبته من دون ذكر شيء معين، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة. وفي الصحيح عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه كان يدعو بهذا الدعاء: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر. رواه مسلم.
وفي الحديث الآخر: اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره. رواه مسلم.
والمفروض عند تذكر الذنب أن يتذكر العبد ما توعد الله به العصاة من أليم العذاب ويندم على ما بدر منه ويستاء ويجأر إلى الله أن يمحو زلته، فإن رجوع العبد باللائمة على نفسه واستياءه إذا حصل منه تقصير في حق الله لهو من مؤشرات الخير وأمارات الصلاح، وتلذذه بالمعصية التي صدرت منه سابقا يفيد ضعف إيمانه وعدم ندمه على الذنب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الندم توبة. رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن. رواه الترمذي في سننه وصححه الشيخ الألباني.
ومما يساعد على هذا أن تكثر من مطالعة كتب الترغيب والترهيب حتى تتبين مخاطر الذنوب ويتعين الحرص على حضور القلب أثناء الاستغفار وغيره من الأدعية، لما رواه الترمذي والحاكم وحسنه الألباني عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.
ولكنه لا يمنع في الشرع أن تستغفر أثناء انشغالك بشيء، فعليك بكثرة الاستغفار باللسان مع القلب، وعليك بألفاظ الاستغفار الواردة في القرآن العظيم والأحاديث الشريفة مثل: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين {الأعراف:23}.
وقوله تعالى: ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا {آل عمران:147}.
وقوله: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنآ أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين {البقرة:286}.
وقول : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وراحمني إنك أنت الغفور الرحيم. رواه البخاري ومسلم.
وقول : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت. رواه مسلم.
واعلم أن سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. رواه البخاري.
وأما شرود الذهن أثناء الذكر: فهو غير محمود، ولكن الذكر من دون حضور القلب أولى من عدم الذكر، وإذا كان الذكر محددا بعدد معين ـ كالأذكار المسنونة بعد الصلاة ـ فاحرص على تفريغ قلبك حتى تأتي بالعدد المسنون الإتيان به.
والله أعلم.