السؤال
نذرت أن أصوم كل يوم اثنين وخميس إلى أن يرزقني الله الذرية الصالحة، فهل يجوز أن أفطر يوما من هذه الأيام إذا كانت فيها مناسبة كالعقيقة، أو العرس، أو العزائم؟ أم يجب أن أصومها إلى أن يرزقني الله الذرية الصالحة ؟ وهل نذري صحيح؟ المرجو إفادتي في القريب العاجل. وبارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز الفطر في الصوم الواجب بالنذر إلا لعذر ـ كحيض وما أشبهه ـ وأما المناسبات المذكورة فليست عذرا يبيح الفطر، ومن أفطر بسببها فعليه أن يتوب إلى الله من ذلك، ويجب عليه قضاء ما أفطره، فالوفاء بالنذر واجب، فقد قال الله تعالى: وليوفوا نذورهم { الحج: 29}.
وقال صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله تعالى فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله تعالى فلا يعصه. أخرجه البخاري وغيره.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن. متفق عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ومن نذر نذرا لم يطقه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرا أطاقه فليف به. رواه ابن ماجه في السنن.
وقال صاحب أسنى المطالب: تنبيه. قال الجرجاني: من لزمه صوم يوم بالنذر فأفطر فيه لزمه القضاء إلا في نذر صوم الدهر. انتهى.
وأما النذر: فهو صحيح وإن كان مكروها في الأصل على الصحيح، لما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال: إنه لا يرد شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل.
وفي صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: النذر لا يقدم شيئا ولا يؤخره، وإنما يستخرج به من البخيل.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا.
وفي فتح الباري للحافظ ابن حجر: وقد ذكر أكثر الشافعية - ونقله أبو علي السنجي عن نص الشافعي - أن النذر مكروه، لثبوت النهي عنه وكذا نقل عن المالكية وجزم به عنهم ابن دقيق العيد, وأشار ابن العربي إلى الخلاف عنهم والجزم عن الشافعية بالكراهة, قال: واحتجوا بأنه ليس طاعة محضة، لأنه لم يقصد به خالص القربة، وإنما قصد أن ينفع نفسه، أو يدفع عنها أضررا بما التزمه، وجزم الحنابلة بالكراهة, وعندهم رواية في أنها كراهة تحريم وتوقف بعضهم في صحتها, إلى أن قال: وجزم القرطبي في المفهم بحمل ما ورد في الأحاديث من النهي على نذر المجازاة، فقال: هذا النهي محله أن يقول مثلا: إن شفى الله مريضي فعلي صدقة كذا, ووجه الكراهة أنه لما وقف فعل القربة المذكور على حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى لما صدر منه، بل سلك فيها مسلك المعارضة, ويوضحه أنه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما علقه على شفائه, وهذه حالة البخيل فإنه لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالبا، وهذا المعنى هو المشار إليه في الحديث لقوله: إنما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يخرجه ـ قال: وقد ينضم إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض, أو أن الله يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر, وإليهما الإشارة بقوله في الحديث أيضا: فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا ـ والحالة الأولى تقارب الكفر والثانية خطأ صريح، قلت: بل تقرب من الكفر ـ أيضا ـ ثم نقل القرطبي عن العلماء حمل النهي الوارد في الخبر على الكراهة وقال: الذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على ذلك محرما, والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك. انتهى.
وهو تفصيل حسن, ويؤيده قصة ابن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر فإنها في نذر المجاراة. انتهى .
وراجع الفتوى رقم: 66839.