السؤال
لقد وجدت في طريق عودتي إلي المنزل بعد الدوام حادثة طريق, سيارة وصاحبها يخرج كفه من السيارة وعلى بعد أمتار سيارة نقل وصاحبها جالس والله أعلم يفحصها لست متأكدة، ولكن بعد ما سرت بالسيارة خفت أن يكون الرجل الذي بالسيارة محتاج للمساعدة أو إسعاف، فهل إذا حدث له شيء (إذا توفي) أكون قتلته خطأ لأني لم أسعفه خصوصا أني لم أعد له للتأكد من الممكن أن أعود ولكن سيأخذ مني بعض الوقت وأيضا لا أعرف إذا كان الرجل صاحب سيارة النقل تابعا لهذا الحادث أم لا فأفيدوني أفادكم الله؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن مساعدة المرأة مصاب بحادث السير بما يمكن مع الالتزام بالضوابط الشرعية مشروع ومرغب فيه، بل قد يكون واجبا إذا تعين عليك، فكان يمكنك الاتصال بالجهات الطبية لترسل له سيارة إسعاف، بل قد يجب عليك مساعدته وإنقاذة من التهلكة إن تطلب الأمر ذلك وتعين عليك بأن لم يوجد من يقوم بذلك غيرك، وفي حديث مسلم أيضا: من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه.
وأما عدم تقديم المساعدة له فهو خطأ عظيم، ولو مات لم تعتبري قاتلة له عند الجمهور لأنك لم تفعلي سببا مباشرا لقتله خلافا للمالكية الذين يعتبرون الترك موجبا للضمان لأنه فعل عندهم، كما قال صاحب المراقي: والترك فعل في صحيح المذهب.
وفي الشرح الكبير للدردير ممزوجا بنص مختصر خليل: (وضمن مار) على صيد مجروح لم ينفذ مقتله (أمكنته ذكاته) بوجود آلة، وعلمه بها وهو ممن تصح ذكاته، ولو كتابيا (وترك) تذكيته حتى مات قيمته مجروحا لتفويته على ربه... وشبه في الضمان قوله (كترك تخليص مستهلك من نفس أو مال) قدر على تخليصه (بيده) أي قدرته أو جاهه أو ماله فيضمن النفس في الدية، وفي المال القيمة... انتهى.
وقال الدسوقي في حاشيته: (قوله: كل جرح إلخ) أي فإذا جرح إنسان جرحا يخشى منه الموت سواء كان جائفة أفضت لجوفه أو غير جائفة، واقتضى الحال خياطته بفتلة خيط أو حرير وجب على كل من كان معه ذلك إذا كان مستغنيا عنه حالا ومآلا أو كان محتاجا له الثوب أو لجائفة دابة لا يموت بموتها، أو كان معه الإبرة، وكان مواساة المجروح بذلك فإن ترك مواساته بما ذكر، ومات فإنه يضمن، ومحل الضمان ما لم يكن المجروح منفوذ المقاتل، وإلا فلا ضمان بترك المواساة، وإنما يلزم الأدب بتركها، والدية أو القصاص على الجارح كما أنه لو كان رب الخيط محتاجا له في نفسه أو دابة يموت بموتها وترك الإعطاء حتى مات فإنه لا ضمان عليه لعدم وجوب المواساة عليه حينئذ. (قوله: وترك فضل إلخ)، أي وترك إعطاء طعام فاضل وزائد عما يمسك صحته. وحاصله أن الشخص إذا كان عنده من الطعام أو الشراب زيادة على ما يمسك صحته، وكان معه مضطر فإنه يجب عليه مواساته بذلك الزائد فإن منع، ولم يدفع له حتى مات ضمن... انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية: من أمكنه إنقاذ إنسان من الهلاك، فلم يفعل حتى مات، ومثال ذلك: من رأى إنسانا اشتد جوعه وعجز عن الطلب، فامتنع من رآه من إعطائه فضل طعامه حتى مات، أو رأى إنسانا في مهلكة فلم ينجه منها، مع قدرته على ذلك فعند الحنفية والشافعية والحنابلة عدا أبي الخطاب لا ضمان على الممتنع، لأنه لم يهلكه ولم يحدث فيه فعلا مهلكا، لكنه يأثم... وهذا الحكم عند الحنابلة إذا كان المضطر لم يطلب الطعام، أما إذا طلبه فمنعه رب الطعام حتى مات، فإنه يضمن في هذه الحالة لأن منعه منه كان سببا في هلاكه، فضمنه بفعله الذي تعدى به، وعند المالكية وأبي الخطاب يضمن، لأنه لم ينجه من الهلاك مع إمكانه، هذا ويلاحظ أنه يجوز للمضطر قتال من منع من فضل طعامه، فإن قتل رب الطعام فدمه هدر، وإن قتل المضطر ففيه القصاص، لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك. انتهى.
والله أعلم.