السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر 34 سنة ذهبت إلى الحج هذا العام أنا وزوجتي وابني البالغ من العمر سنة و9 أشهر مقيم بجدة بالسعودية وقفنا بعرفة وبتنا بمزدلفة وصباح يوم العيد ذهبنا إلى منى، لكنني كنت متعبا جدا لا أستطيع تكملة السير وجلست على الأرض لأستريح ورغم قربي من الجمرات لم أكن أقوى على الذهاب إليها كنت أحتاج بعض الوقت للراحة وهذا غير متوفر، لأنني ذهبت إلى الحج مترجلا ـ دون حملة ـ ولا يوجد مكان للراحة ومع حرارة الجو والإرهاق لم أتخيل أنني أستطيع أن أذهب إلى رمي جمرة العقبة والعودة سالما، لأنني كنت مجهدا جدا ولا أعلم هل إجهادي هذا بسبب مرض السكر أم من كثرة المجهود؟ فوكلت زوجتي أن ترمي عني وعنها جمرة العقبة وبعدها ذهبت إلى المنزل بجدة وحلقت شعري وتحللت التحلل الأصغر وكنت أنوي المبيت في منى أيام التشريق، ولكن التعب الشديد الذي لحق بي وبزوجتي وابني جعلني أذهب إلى المنزل ووكلت أحد أقاربي في رمي الجمرات في أيام التشريق عني وعن زوجتي وبقي لي من أركان الحج السعي وطواف الإفاضة فأجلتهما إلى أن يخف عدد الحجاج بمكة، وإن شاء الله قبل نهاية الشهر أكون أديتهما، هذا ما حدث معي في الحج، وسؤالي: هل حجي أنا وزوجتي صحيح؟ وما الفدية الواجبة علينا؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فرمي جمرة العقبة في يوم النحر يبدأ وقته بانتصاف الليل من ليلة النحر وينتهي بغروب شمس آخر أيام التشريق، فمن لم يرم في يوم النحر فعليه أن يرمي بعد ذلك ولا يوكل في الرمي ما دام قادرا على الرمي في أيام التشريق وكذا أيام التشريق هي كاليوم الواحد، فمن كان يقدر على الرمي في آخر الأيام لم يوكل في أولها، وعليه؛ فإن كنت قد وكلت زوجتك في الرمي عنك لعجزك عنه وكان يغلب على ظنك أنك لا تستطيع الرمي بنفسك ولو في أيام التشريق فذلك مجزء عنك وكذا إن كنت عاجزا عن الذهاب إلى منى في أيام التشريق ومباشرة الرمي بنفسك، فإن توكيلك من يرمي عنك لا حرج فيه، وأما إن كنت تقدر على الذهاب إلى منى ومباشرة الرمي بنفسك فقد قصرت وأسأت بترك واجب من واجبات النسك وعليك دم عن ترك الرمي يذبح في مكة ويوزع على فقراء الحرم، وكذا يقال في حق زوجتك، فإن كانت قادرة على مباشرة الرمي بنفسها ووكلت مع القدرة لم تجزئها تلك الاستنابة ولزمها دم، وأما إن كانت وكلت وهي عاجزة عن الرمي فذلك مجزئ عنها، قال النووي ـ رحمه الله: قال الشافعي والأصحاب ـ رحمهم الله: العاجز عن الرمي بنفسه لمرض، أو حبس ونحوهما يستنيب من يرمي عنه لما ذكره المصنف، وسواء كان المرض مرجو الزوال، أو غيره لما ذكره المصنف، وسواء استناب بأجرة، أو بغيرها، وسواء استناب رجلا أو امرأة. انتهى.
وقال ابن قدامة ـ رحمه الله: إذا كان الرجل مريضا، أو محبوسا، أو له عذر جاز أن يستنيب من يرمي عنه: ومن ترك الرمي من غير عذر فعليه دم، قال أحمد: أعجب إلي إذا ترك الأيام كلها كان عليه دم، وفي ترك جمرة واحدة دم ـ أيضا ـ نص عليه أحمد، وبهذا قال عطاء والشافعي وأصحاب الرأي، لقول ابن عباس: من ترك شيئا من مناسكه فعليه دم. انتهى بتصرف.
وأما المبيت بمنى: فإن كنت عجزت عنه لمرض، أو نحوه فقد جعل بعض العلماء هذا رخصة يسقط بها المبيت ولا يلزم بتركه شيء، قال ابن قدامة ـ رحمه الله: وأهل الأعذار من غير الرعاء كالمرضى ومن له مال يخاف ضياعه ونحوهم كالرعاء في ترك البيتوتة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهؤلاء تنبيها على غيرهم أو نقول نص عليه لمعنى وجد في غيرهم فوجب إلحاقه بهم. انتهى.
ويرى بعض العلماء أن هذه الرخصة لا تشمل المرضى ونحوهم، وإنما هي لمن اشتغل بمصلحة عامة للمسلمين، وعلى قولهم فيلزمك دم لترك المبيت، قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله: ومن له عذر خاص كمريض ينقل للمستشفى خارج منى، هل يقاس على هؤلاء، أو لا يقاس؟ قال بعض أهل العلم: إنه يقاس بجامع العذر في كل منهم.
وقال بعض العلماء: إنه لا يقاس على هؤلاء، لأن هذا عذره خاص، والسقاة والرعاة عذرهم عام للمصلحة العامة، فهو لا يشبه الرعاية والولاية، والذي عذره خاص فهذا ينظر في أمره هل يرخص له في ترك المبيت ويقال: إن عليك فدية لترك المبيت، أو يقال لا فدية عليك؟ ولكن قياسه على الرعاة والسقاة قياس مع الفارق. انتهى
وهذا كله فيما إذا كان لك عذر من مرض، أو نحوه، وأما إن كنت قادرا على الذهاب إلى منى والمبيت بها ولكنك تكاسلت فعليك دم لترك المبيت يذبح بمكة ويوزع على فقراء الحرم، فإن عجزت فعليك صيام عشرة أيام قياسا على العاجز عن دم التمتع، وما قيل في حقك من هذا التفصيل يقال في ترك زوجتك للمبيت، فيلزمها دم لعدم العذر، وأما مع العذر ففيه الخلاف المتقدم، والأحوط ذبح الدم، أو الإتيان ببدله وهو الصيام، وأما تأخيرك الطواف والسعي فلا حرج فيه، لأن الطواف والسعي لا آخر لوقتهما عند كثير من العلماء.
والله أعلم.