الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعليك أن تؤمن بما ثبت في الوحيين من خبر أهل الجنة، وتصرف فكرك وطاقتك لكسب الأبدية في الآخرة بدخول الجنة وتعلق قلبك بأعلى درجاتها الفردوس، وأن تحمل نفسك في الدنيا على سلوك الطريق الموصلة لذلك وهي تعلم أمر الله والالتزام بالطاعات والبعد عن المعاصي, وكمال الخضوع والانقياد لله والتمسك بشرعه في هذه الحياة الدنيا, ففي حديث البخاري : إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة. وفي الحديث : إذا تمنى أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربه. رواه الطبراني وصححه الألباني.
ويشرع كذلك أن يسأل المسلم لأهله أن يكونوا في الفردوس كما يسأله لنفسه, وينبغي أن يسعى في هدايتهم ووقايتهم من النار كما أنه متعبد بحب الخير لهم ولجميع المسلمين كما يحب لنفسه لما في حديث مسلم : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
وأما تحديد الأعمار فهو غير وارد لأن الخلود في الجنة بالنسبة لمن دخلها لا خلاف فيه بين أهل العلم, وقد دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة, ومن ذلك قوله تعالى في شأن الجنة وأهلها : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية (7) جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه (8) {البينة}. وقال تعالى : لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم {الدخان : 56 } , وقال تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا (107) خالدين فيها لا يبغون عنها حولا (108) {الكهف}.
وفي الحديث : يقال لأهل الجنة يا أهل الجنة خلود لا موت, ولأهل النار يا أهل النار خلود لا موت. رواه البخاري ومسلم.
وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ينادي مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا, وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا, وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا.
ومن ذلك أنهم سألوه صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله أخبرنا عن الجنة ما بناؤها ؟ قال : لبنة من ذهب ولبنة من فضة، من يدخلها يخلد لا يموت، وينعم لا يبأس، لا يبلى شبابهم، ولا تخرق ثيابهم. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني
وقال ابن كثير : في قوله : لا يبغون عنها حولا تنبيه على رغبتهم فيها وحبهم لها, مع أنه قد يتوهم في من هو مقيم في المكان دائما أنه يسأمه أو يمله, فأخبر أنهم مع الدوام والخلود السرمدي, لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولا ولا انتقالا ولا ظعنا ولا رحلة ولا بدلا. انتهى.
كما أنهم لا ينامون كما سبق في الفتوى رقم: 128446. وكذا الحال في التعب فإنه لا يكون في الجنة أبدا كما قال الله تعالى على لسان أهلها : وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور (34) الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب (35) {فاطر: 34،35}.
ولا معنى لا ختيار الأب والأم والأقارب .
وأما ما تتمناه مما تفعله غدا وبعد غد من أنواع اللذات والمتعة فإنك ستجده فإن أهل الجنة ينالون فيها كل ما يتمنون لقوله تعالى : لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين {الزمر:34}.
ولقوله تعالى : نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون {فصلت : 31} .
وفي صحيح مسلم أنه يقول الله لأدنى أهل الجنة منزلة ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك.
والله أعلم.