حكم زراعة القنب الهندي وما هو الموقف من المستأجر الذي يزرعه

0 842

السؤال

ترك جدي أرضا ذات طبيعة جبلية منذ عشر سنين، وكان جدي رحمه الله قد قام بكرائها لأحد الأشخاص مقابل الثلث في غلة المنتوج كالزيتون و النصف مقابل ما يزرع كالبصل و البطاطس، ودام هذا الحال لعشرات السنين إلى أن توفي جدي رحمه الله وبدأ الناس في تلك المناطق يزرعون الكيف أو القنب الهندي و لم تسلم أرض جدي من ذلك، و لبعد المسافة بيننا و بين أرض جدي التي أصبحت إرثا لأبي و ثلاثة من أعمامي أخبرنا أناس من عائلتنا أن فلانا يزرع القنب الهندي بأرضنا وعاينها كل أعمامي والاستغلال ما زال قائما إلى الآن. واجهه أبي فلم يستجب. فما العمل هنا وما حكم زراعة القنب الهندي والانتفاع به. وما هو دور أعمامي في هذا المجال و هل يمكننا أن نتدخل نحن كحفدة والضغط على مستغل الأرض مع وجود أعمامي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

 فالقنب الهندي هو مصدر ما يعرف بالحشيش، وهو نوع مشهور من المخدرات.

قال ابن البيطار في الجامع لمفردات الأدوية والأغذية: القنب الهندي .. ويسمى بالحشيشة .. وهو يسكر جدا إذا تناول منه إنسان يسيرا قدر درهم أو درهمين، حتى أن من أكثر منه يخرجه إلى حد الرعونة، وقد استعمله قوم فاختلت عقولهم وأدى بهم الحال إلى الجنون وربما قتل. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: الحشيشة نوع من ورق القنب الهندي يسكر جدا إذا تناول منه قدر درهم. هذا ما قاله ابن تيمية وابن حجر الهيتمي وابن عابدين. اهـ.

وقال الدكتور علي الجفال في بحثه (أخلاقيات الطبيب) الذي نشر في (مجلة مجمع الفقه الإسلامي: تحدث الفقهاء عن الكثير من النباتات المخدرة، وقد ذكر كل منهم ما عرف في بلده، ووجد في عصره منها، كما يتضح من سرد ما قالوه فيها.

وذكر منها الحشيشة وقال: نوع من ورق القنب الهندي، يسكر جدا إذا تناول الإنسان منه بقدر الدرهم (13/3 غرامات) حتى إن من أكثر من الحشيشة، أصيب بالرعونة واختلال العقل. وقد ذكر له ابن حجر مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية. والحشيشة من أعظم المنكر، وشر من الخمر في بعض الوجوه؛ لأنه يورث نشوة لذيذة وطربا كالخمر، ويصعب الفطام عنه أكثر من الخمر. وذكر ابن تيمية الحشيشة مرارا، وخصص مسألتين فيمن يأكل الحشيشة ما يجب عليه. اهـ.

وفي (الموسوعة الجنائية الإسلامية) لسعود العتيبي: الحشيش مادة مخدرة مشهورة تستخرج من شجرة القنب الهندي .. وللحشيش عدة مسميات، ففي دول الخليج والشام ومصر يعرف باسم (الحشيش أو الحشيشة) وفي الجزائر والمغرب يسمى (الكيف)  ... والحشيش حرام باتفاق الفقهاء، وإن اختلفوا في العقوبة المترتبة على تعاطيه، وأدلة تحريمه هي عموم أدلة تحريم الخمر. اهـ.

 وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 17651.

وما كان كذلك فزراعته لا تجوز، وقد أطال الجزيري في (الفقه على المذاهب الأربعة) القول في ذلك وفصله، ومما قال: اتفق الأئمة على تحريم زراعة الحشيش والخشخاش لاستخراج المادة المخدرة منها لتعاطيها أو الاتجار فيها، وحرمة زراعتهما من وجوه:

أولا: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من جس العنب أيام القطاف حتى يبيعه ممن يتخذه خمرا فقد تقحم النار.

 فهذا دليل على حرمة زراعتهما بطريق دلالة النص.

ثانيا: إن زراعتها لهذا الغرض رضا من الزارع تعاطي الناس لها واتجارهم فيها، والرضا بالمعصية معصية، وذلك لأن إنكار المنكر بالقلب الذي هو عبارة عن كراهية القلب وبغضه المنكر فرض على كل مسلم في كل حال، بل ورد في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من لم ينكر المنكر بقلبه - بالمعنى الذي بينا - ليس عنده من الإيمان حبة خردل. وفيه مخالفة لولي الأمر الذي نهى عنها بالقوانين التي وضعت لذلك. اهـ.

ثم قال تحت عنوان: حرمة الربح والناتج من هذه التجارة: لقد علم أن بيع هذه المخدرات حرام فيكون الثمن الناتج من هذه التجارة حراما لقوله تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل {البقرة:188}

 ولما ورد من الأحاديث النبوية التي تنص على تحريم ثمن ما حرم الله الانتفاع به، كقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه. رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس.

 وقد جاء في كتاب زاد المعاد ما نصه: قال جمهور الفقهاء: إنه إذا بيع العنب لمن يعصره خمرا حرم أكل ثمنه .اهـ.

 وإذا كانت الأعيان التي يحل الانتفاع بها إذا بيعت لمن يستعملها في معصية الله على رأي جمهور الفقهاء - وهو الحق - يحرم ثمنها لدلالة ما ذكرنا من الأدلة وغيرها عليه، كان ثمن العين التي لا يحل الانتفاع بها كالمخدرات حراما من باب أولى.

إلى أن قال: ونستطيع أن نلخص ما ذكرناه فيما يأتي:

 أولا: تحريم تعاطي الحشيش والأفيون والقات وغيرها من المخدرات المسكرة والمفطرة.

 ثانيا: تحريم الاتجار فيها واتخاذها حرفة تدر الربح.

 ثالثا: حرمة تهريبها ومساعدة التجار على رواجها والتدليس عليها.

 رابعا: حرمة زراعتها لاتخاذ المادة المخدرة لتعاطيها أو الاتجار بها.

 خامسا: إن الربح الناتج من الاتجار في هذه المواد حرام خبيث، وإن إنفاقه في الطاعات غير مقبول. اهـ.

 ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 14586.

وما دمتم على علم بأن مستأجر أرض جدكم يستغلها في زراعة هذا النبات الخبيث، وقد نصحه والد السائل فلم يستجب له، فلا يجوز لكم إقراره عليها، لا سيما والذي فهمناه من السؤال أنه لا يوجد أجل معلوم لمدة هذه الإجارة. فعليكم أن تؤجروها لغيره ممن لا يستغلها في أمر محرم.

وأما الواجب على الأحفاد مع وجود الوالد والأعمام، فهو نصحهم بأخذ الأرض من هذا المستأجر، ونقل ما سبق بيانه لهم، كما يمكنكم فعل ما ذكرتم من الضغط على المستأجر نفسه وأن تستعينوا على ذلك بسلطة القانون إن كان يجرم زراعة هذه الأشياء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة