السؤال
كان جدي ـ يرحمه الله ـ من الدارسين بالأزهر في الأربعينيات من القرن الماضي، وأثناء دراسته كان يسكن في منزل صغير متواضع مساحته 30 مترا مربعا، وهو ملك له بحي الباطنية، وكان يجاوره في السكن رجل وزوجته ليس لهما نصيب من الأولاد، وكان منزلهما في نفس مساحة منزل جدي، وحدث أن توفي الرجل فقامت زوجته بتأجير منزلهما إلى أحد الأشخاص في نفس الحي بمقدار جنيه مصري واحد، وتركت الحي وذهبت لتعيش مع أهلها في صعيد مصر، وقامت بعمل وقف لإيجار المنزل على جدي بالشروط الآتية، وذلك حسب وصية زوجها:
أولا: أن يبدأ من ربع الإيجار بإصلاح المنزل وعمل كل ما فيه بقاؤه.
ثانيا: بعد عمل الترميم والإصلاحات يكون الإيجار وقفا على جدي يتصرف فيه كيف يشاء، ويستمر هذا الوقف بنفس الشروط على ذريته وأحفاده نسلا بعد نسل وجيلا بعد جيل الأرشد فالأرشد.
ثالثا: إذا انقرضوا جميعا يذهب ربح الإيجار لمسجد سيدنا الحسين ـ رضي الله عنه.
لكن ما حدث ودون سابق إنذار أن انهار المنزلان في سنة 1986 ويبدو أنه كان بفعل الإنشاءات في المساكن المجاورة، ونظرا لأننا لم نكن في وضع يسمح لنا بإعادة البناء وخوفا على أرض المنزلين من الضياع اتفق خالي ـ رحمه الله ـ مع أحد السكان المجاورين بشراء أرض المنزلين حيث كان يقوم بإنشاء عمارة مجاورة لهما، وكانت قيمة المنزل الموقوف ثلاثة آلاف جنيه، ومنذ ذلك الحين ونحن في حيرة من أمر هذا المبلغ، أرجو إفادتي عن حكم الشرع في التصرف بهذا المبلغ في ضوء المعروض من شروط الوقف.
وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب أن يظل الوقف باقيا يعمل فيه حسب شروط الواقف، ولا يجوز بيعه ولا التصرف فيه بما يخرجه عن وقفيته، فإذا خرب الوقف وتعطلت منافعه جاز على الراجح استبداله بغيره، وهذه رواية عن الإمام أحمد: أنه لا يجوز بيعه ولا استبداله بغيره إلا أن تتعطل منافعه بالكلية، ولم يمكن الانتفاع به ولا تعميره وإصلاحه، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أبعد من ذلك، حيث قال: ومع الحاجة يجب إبدال الوقف بمثله، وبلا حاجة يجوز بخير منه لظهور المصلحة. اهـ. وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 6609، 110727، 107708.
قال ابن قدامة في المغني: الوقف إذا خرب وتعطلت منافعه، كدار انهدمت، أو أرض خربت وعادت مواتا ولم تمكن عمارتها، أو مسجد انتقل أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلى فيه، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه، أو تشعب جميعه فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلا ببيع بعضه جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته، وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه. اهـ.
وهذا الوقف المذكور في السؤال من هذا النوع، بل هو أبعد منه، فإن الدار لم تنهدم فحسب، بل قد بيعت أرضها وأنشئت فوقها عمارة سكنية بالفعل، والذي يمكن فعله الآن أن يبحث عن عقار آخر يمكن وقفه بثمن المنزل الموقوف ـ الثلاثة آلاف ـ ويعمل في الوقف الجديد بالشرط المذكور في السؤال نفسه، وهذا كله مترتب على حكمنا على هذا المنزل بأحكام الوقف، وهذا إنما يكون لو أوقفه صاحبه حال حياته من غير تعليق بالموت، أما لو كان الوقف معلقا على الوفاة ـ كما هو ظاهر السؤال ـ فلا يجوز للشخص أن يوقف أكثر من الثلث، لأن الوقف حينئذ وصية، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 48794.
وفي هذه الحالة لابد من النظر: هل للواقف ورثة غير زوجته المذكورة والتي تصرفت في شروط الوقف بحسب وصية زوجها، فإن لم يكن له ورثة غيرها فالجواب بنحو ما تقدم، وإن كان له ورثة غيرها فلا تنفذ الوصية إلا في حدود الثلث، مضافا إليه نصيب الزوجة وهو هنا الربع، وأما بقية التركة وهي هنا 1500 جنيه فهي من حق بقية الورثة، وعلى السائل حينئذ أن يبذل وسعه في البحث عنهم وإيصال هذا الحق لهم، فإن يئس من ذلك فلينفق نصيبهم في المصالح العامة، ومنها الوقف المذكور في السؤال.
والله أعلم.