السؤال
قرأت أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك في حال الاستهزاء بالمسلم .هل هذا الكلام على إطلاقه؟ أم خرج مخرج التغليظ؟
قرأت أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك في حال الاستهزاء بالمسلم .هل هذا الكلام على إطلاقه؟ أم خرج مخرج التغليظ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الأثر المذكور عن ابن عباس قد ذكره السيوطي في الدر المنثور، ونسبه إلى ابن مردويه.
وقال الشوكاني في فتح القدير: وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك. وزاد ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم عنه قال: الصغيرة: التبسم بالاستهزاء بالمؤمنين، والكبيرة: القهقهة بذلك. انتهى.
وهذا الأثر إنما يذكره المفسرون عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها {الكهف: 49}. فيحتمل أن ابن عباس أراد الصغيرة والكبيرة من الأفعال لا من الذنوب، وهو ما صدر به ابن الجوزي ، ويحتمل أنه أراد أن الضحك استهزاءا بالمؤمن داخل في حد الكبائر لما فيه من أذيته، فيكون دليلا على عظيم حرمة المؤمن وعدم جواز أذيته أو السخرية منه بقول أو فعل، وعليه حمله الأكثر، وعلى كل حال فإن قصد به السخرية من المؤمن فإنه ذنب كبير لما فيه من الإيذاء، وهاك بعض كلامهم في تأويل هذا الأثر، قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها {الكهف: 49} هذا على ظاهره في صغير الأمور وكبيرها وقد روى عكرمة عن ابن عباس، قال: الصغيرة: التبسم، والكبيرة: القهقهة، وقد يتوهم أن المراد بذلك صغائر الذنوب وكبائرها، وليس كذلك، إذ ليس الضحك والتبسم، بمجردهما من الذنوب، وإنما المراد أن التبسم من صغار الأفعال، والضحك فعل كبير، وقد روى الضحاك عن ابن عباس، قال: الصغيرة: التبسم والاستهزاء بالمؤمنين، والكبيرة: القهقهة بذلك فعلى هذا يكون ذنبا من الذنوب لمقصود فاعله، لا لنفسه. انتهى.
وقال الشهاب الخفاجي في حاشيته على البيضاوي: فإن قلت ما معنى هذا الأثر المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما، فإن بعض الفضلاء استشكل كون التبسم صغيرة والقهقهة كبيرة ولم يبينه شراحه قلت: المراد التبسم والضحك استهزاء بالناس وهو يؤذيهم وكل أذية حرام كما بينه الإمام الغزالي في الإحياء وذكر أن لفظ ابن عباس في تفسير هذه الآية الصغيرة التبسم استهزاء بالمؤمن، والكبيرة القهقهة بذلك وهو إشارة إلى أن الضحك على الناس من الذنوب والآثام. انتهى.
ولبعض العلماء توجيه آخر لهذا الأثر، قال القاري في المرقاة: وأما ما نقل البغوي في تفسيره عند قوله تعالى: {لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها {الكهف: 49}، عن ابن عباس أنه قال: الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك، فمحمول على سخرية الكفار بالمؤمنين، أو جهلة الفجار بالعلماء الصالحين، كما أخبر الله سبحانه بقوله: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون {المطففين 29}. انتهى.
والله أعلم.