الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليعلم أولا أن الكلام في كتاب الله عز وجل شديد، ولا يجوز لأحد الإقدام على الخوض فيه من غير علم فإن مرتع هذا وخيم، وإذا كان الصديق الأكبر رضي الله عنه قد قال: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم. فمن عداه أولى أن يتوقف عن الخوض في معاني كتاب الله تعالى حتى يكون على بصيرة مما يقول.
قال ابن كثير رحمه الله: فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام لما رواه محمد بن جرير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار. وأخرجه الترمذي والنسائي من طرق. انتهى مختصرا.
وإذا علم هذا فإن هذا الطالب المذكور عفا الله عنه قد أخطأ وإن كان يريد الخير، وليست إرادة الخير بمجردها كافية حتى يصحبها علم يقام به الحق ويهدم به الباطل، فهذا الطالب يصدق فيه قول القائل:
رام نفعا فضل من غير قصد ومن البر ما يكون عقوقا.
وبيان ذلك أن قوله تعالى: وكل شيء أحصيناه في إمام مبين {يس:12}. والذي استدل به أولا على شمول القرآن لكل شيء المراد به اللوح المحفوظ.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقوله: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} أي: جميع الكائنات مكتوب في كتاب مسطور مضبوط في لوح محفوظ، والإمام المبين هاهنا هو أم الكتاب. قاله مجاهد، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. انتهى.
والمناسب لما أراد الاستدلال له هو قوله تعالى:ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء. {النحل:86}.
وليس يلزم من هذه الآية أن ينص في القرآن على صلعة ذلك الأستاذ بخصوصها، فإن القرآن نزل تبيانا لكل شيء مما بالناس إليه حاجة، ولا يتصور عاقل يدري ما يقول أن القرآن متضمن لصفات كل شخص الخلقية. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وقوله: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} قال ابن مسعود: قد بين لنا في هذا القرآن كل علم، وكل شيء.
وقال مجاهد: كل حلال وحرام.
وقول ابن مسعود: أعم وأشمل؛ فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتي، وحكم كل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم، ومعاشهم ومعادهم. انتهى.
وأما الآية التي استدل بها بعد على وجود صلعة الأستاذ في القرآن وهي قوله تعالى: والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون.{الأعراف:58}.
فهذا من الخطأ البين فإنه حمل لكتاب الله على غير محمله بوجه، ولازم ما ذكره هذا الطالب أن كل أصلع فإنما لم ينبت شعره لخبث طويته وسوء دخيلته، وأن كل ذي شعر فإن ذلك دليل على حسن طويته ونقاء سريرته، وهذا من البطلان بمكان لا يخفى، وقد ثبت في صفة عمر رضي الله عنه أنه كان أصلع، كما روى مسلم عن عبد الله بن سرجس، قال: رأيت الأصلع يعني عمر بن الخطاب يقبل الحجر ويقول: والله، إني لأقبلك، وإني أعلم أنك حجر، وأنك لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك وفي رواية المقدمي وأبي كامل رأيت الأصيلع.
وأما معنى الآية المستفاد من لفظها وإشارتها فقد بينه المفسرون رحمهم الله.
يقول القاسمي رحمه الله في محاسن التأويل ما مختصره: والبلد الطيب أي: الأرض الكريمة التربة يخرج نباته بإذن ربه أي يخرج نباته وافيا حسنا غزير النفع بمشيئته وتيسيره. والذي خبث أي كالحرة، وهي الأرض ذات الحجارة السود. وكالسبخة (بكسر الباء) وهي الأرض ذات الملح لا يخرج أي: نباته إلا نكدا أي: قليلا، عديم النفع. يقال: عطاء نكد، أي قليل لا خير فيه. قال ابن عباس في الآية: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر. وقال قتادة: المؤمن سمع كتاب الله فوعاه بعقله، وانتفع به. كالأرض الطيبة أصابها الغيث، فأنبتت، والكافر بخلاف ذلك. وهذا كما في الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضا، فكانت منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به. انتهى.
والله أعلم.