السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر 23.. أعاني من هزالة الجسد؛ نحافة حادة حيث إن طولي 167 ووزني أقل من 45 .. وهذا الشيء ولد داخلي حالة نفسية وانحيازا ووحدانية وابتعادا عن الناس، جربت جميع العلاجات ذهبت لأطباء تغذية، لكن دون فائدة حيث انتهى بي الحال بالأخير للذهاب إلى طبيب نفسي.. أصحبت لا أرغب الذهاب للأسواق لأن المرض النفسي الذي اكتسبته جعلني أظن أن كل الناس ينظرون إلي، وإذا سمعت شخصا يضحك أقول إنهم يضحكون علي.. فقلت ما معيني إلا رب العالمين، أريد أن أعرف هل يجوز الدعاء في مثل هذه الحالة؟ كأن أرفع يدي إلى السماء وأقول "ربي عافني في جسدي النحيل وأعطني مظهر الشباب" فهل يجوز مثل هذا الدعاء؟ أم إنه يعتبر عدم رضى على قضاء الله وقدره؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله العلي القدير أن يمن عليك بالصحة والعافية، ونفيدك أن أنجع العلاج أن يتوجه المسلم إلى الله بصدق ويدعوه كشف ما به، فقد قال تعالى: أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون {النمل:62}.
واعلم أنه قد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل. والدعاء من أعظم أسباب الدواء. ومن الأدعية المأثورة، والتي لها علاقة بالأمر ما ثبت في السنة من قوله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات صباحا ومساء: اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري لا إله إلا أنت، اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وأعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت. رواه أبو داود وأحمد وإسناده حسن.
ومن ذلك أيضا ما ثبت من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن امتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو أنزلته في كتابتك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي؛ إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا، قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها، فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها. رواه أحمد.
وأما هذا الدعاء فلا مانع منه شرعا، والإنسان يمكنه أن يدعو الله بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، كما في الحديث عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد ثم قال في آخره: ثم ليتخير من المسألة ما شاء. رواه مسلم. وفي الحديث: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعليه. رواه أبو يعلى. وقال محققه حسين أسد: إسناده صحيح على شرط مسلم، وحسنه الألباني في المشكاة. وقال المواق في التاج والإكليل: من المدونة قال مالك: للمصلي أن يدعو في قيامه وقعوده وسجوده بجميع حوائجه لدنياه وأخراه، وبلغني عن عروة قال: إني أدعو الله في حوائجي كلها في الصلاة حتى في الملح. انتهى.
واعلم أن الدعاء بالعافية لا يتنافى مع الرضى بالقدر، فقد يصبر المرء على القضاء ويرضى به ويدعو الله أن يشفيه ويكشف عنه ما أصابه من الضر فيجمع بين الصبر والدعاء، وإنما يذم تسخط العبد للقدر واتهامه لله بإنه ظلمه... وقد ذكر بعض أهل العلم أن الرضى لا يلزم منه الرضى بالمقضي، بل يشرع العبد أن يسعى في إزالة ما حصل له فيعالج المرض بالتداوي، ويعالج الكرب والهم بالسعي في تفريجه، ويعالج الفقر بالتكسب، فيحرص العبد على ما ينفعه ويرضى بقضاء وقدر الله أولا وآخرا، ففي حديث مسلم: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل. وقد كان صلى الله عليه وسلم يرشد المرضى للدعاء، فقد قال لعثمان بن أبي العاص لما شكا وجعا يجده في جسده: ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا، وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. روه مسلم.
وينبغي أيها الأخ الحبيب أن تأخذ بأسباب التداوي وتعرض نفسك على الطبيب المختص فذاك من الأسباب المشروعة أيضا.
والله أعلم.