السؤال
(يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) لماذا لم يرد نص بتحريم الخمر ؟ مثال : ماهي الحكمة في عدم بداية الآية بكلمة حرم عليكم الخمر ؟ مثل حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ؟ هل هذا يعني أن الله سبحانه يعلم مسبقا بأن كثيرا من المسلمين سيشرب الخمر وسيلعب الميسر ولو من باب الاطلاع والمعرفه أو التجربه ؟ أرجو وأتمنى أن أحصل على إجابة وافية ومفصلة لأن هذا السؤال مهم بالنسبة لي . وجزاكم الله خيرا .لا مانع من نشر السؤال كي تعم الفائدة . تحياتي
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مما يسعى إليه أعداء الإسلام تشكيك المسلمين في دينهم عن طريق تشويه الإسلام، تارة وقدف الشبهات تارة، وجعل الأمور القطعية خاضعة للأخذ والرد والنقاش.
ونحن لا نعجب أن يكون هذا التشكيك والتشويه هو عمل أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والوثنيين، لأن الله تعالى يقول: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) [البقرة:217] لكن الذي نعجب له هو أن ينساق وراء هذه الدعاوى الهدامة قوم من بني جلدتنا يتكلمون بألسنتنا.
وننبه قبل الجواب إلى أن حرمة الخمر معلومة من دين الإسلام بالضرورة، من أنكرها كفر، وخرج من ملة الإسلام، وعلى الحاكم المسلم أن يستتيبه ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل.
وإليك أدلة تحريم الخمر في الكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فيقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون* إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) [المائدة:90-91] وقد بينت هاتان الآيتان حرمة الخمر أعظم بيان، وذلك من وجوه:
الأول: أن الله قرن الخمر بالأنصاب والأزلام والتي قال الله تعالى عنها في آية أخرى:(ذلكم فسق) [المائدة:4] وقد فهم هذا المعنى الصحابة رضي الله عنهم، قال ابن عباس : لما حرمت الخمر مشى رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض، وقالوا: حرمت الخمر، وجعلت عدلا للشرك: (أي معادلة ومساوية للشرك). رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وجاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن" .
الثاني: حكم الله على الخمر وما ذكر معها بأنه رجس، ولفظ الرجس لم يطلق في القرآن إلا على الأوثان ولحم الخنزير، وهو يدل على التنفير، والزجر الشديد.
الرابع: تعقيب الله تعالى على ذلك بقوله: (فاجتنبوه لعلكم تفلحون) والأمر بالاجتناب لفظ استخدم في الزجر عن الأوثان وعبادتها، فقال تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) [الحج:30] وقال: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) [النحل:36] وقال: (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها) [الزمر:17]. كما استخدم لفظ الاجتناب في ترك كبائر الذنوب والآثام، قال تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) [النساء:31] وقال تعالى: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) [النجم:32]
الخامس: أن الله رتب على هذا الاجتناب الفلاح بقوله: (لعلكم تفلحون) وتحصيل أسباب الفلاح واجب لازم.
السادس: أن الخمرة سبب للعداء والبغضاء بين المسلمين، قال تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر)
السابع: أن الخمرة سبب يقطع عن الله تعالى وعبادته وذكره، قال تعالى: (ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة)
الثامن: ختم الآية بقوله: (فهل أنتم منتهون) أي: بعد ذكر هذه الحجج كلها هل أنتم منتهون مقلعون؟! ولذا لما سمعها المؤمنون قالوا: قد انتهينا يا رب، قد انتهينا يا رب.
والذين ناقشوا في دلالة الآية على تحريم الخمر إنما أوقعهم في ذلك جهلهم المطبق باللغة والشرع معا، وظنوا ظنا فاسدا أن التحريم لا يستفاد إلا من لفظ: حرم ويحرم، وهذا باطل، بل التحريم تدل عليه ألفاظ كثيرة: كلعن فاعله، أو الوعيد على فعله بالنار، أو ذكر أنه من الكبائر، أو الإخبار بأنه رجس… إلخ.
ثم إن القرآن نص على تحريم الخمر بلفظ التحريم، قال تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق) [الأعراف:33] فالإثم حرام، والله تعالى يقول عن الخمر: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) [البقرة:219] فإذا كان الإثم حراما، وكان في الخمر إثم كبير، كانت النتيجة أن الخمر حرام، وهذا واضح، كما هو مصرح به في الآيتين.
أما أدلة التحريم من السنة: فهي كثيرة فمنها: ما رواه مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام" .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"
وفي مسند أحمد بإسناد صحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فقال: (يا محمد، إن الله لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقاها)"
وضرر الخمر على الفرد في دينه وجسمه وعقله ونفسه وماله مما لا ريب فيه، وكذلك ضررها على المجتمع والأسرة. ذلك كاف في تحريمها.
والله أعلم.