السؤال
هل صحيح أن المحلى لابن حزم مليء بالأحاديث الضعيفة في أصول الأحكام؟ وهل ينصح طالب العلم المبتدئ الذي لا يجيد علم الحديث بقراءة المحلى والمغني لابن قدامة؟.
هل صحيح أن المحلى لابن حزم مليء بالأحاديث الضعيفة في أصول الأحكام؟ وهل ينصح طالب العلم المبتدئ الذي لا يجيد علم الحديث بقراءة المحلى والمغني لابن قدامة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فلا ريب في أن كتاب المحلى لأبي محمد ابن حزم ـ رحمه الله ـ من دواوين الإسلام المهمة، ومزايا هذا الكتاب كثيرة لعل من أهمها سوق مؤلفه لآثار الصحابة والتابعين في الأحكام مسندة وبيان مذاهبهم، وكذا عناية مؤلفه بالحديث وتمييزه بين صحيحه وضعيفه وما يصلح للاحتجاج من الأحاديث وما لا يصلح لذلك، ولابن حزم نظر في الحديث غير منكور وإن كان قد خطأه الأئمة في مسائل، قال الذهبي في السير: ولي أنا ميل إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح ومعرفته به، وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال والعلل والمسائل البشعة في الأصول والفروع، وأقطع بخطئه في غير ما مسألة. انتهى. وأما وجود الحديث الضعيف في المحلى: فأمر لا شك فيه، فابن حزم يورد ما يحتج به من يخالفه في عامة المسائل، ويكون في ضمن ذلك أحاديث لا تصح، وقد تكون هذه الأحاديث التي يضعفها صحيحة عند غيره، وأما هو فلا يحتج إلا بما يراه صحيحا، وقد يصحح ما يراه غيره من الأئمة ضعيفا، فإن أريد بوجود الحديث الضعيف في المحلى أن ابن حزم يحتج بها مع اعتقاده ضعفها فهذا باطل قطعا، وقد قرر هو ـ رحمه الله ـ أنه لا يحتج في الدين إلا بما صح من الحديث، قال ـ رحمه الله: مسألة: دين الإسلام اللازم لكل أحد لا يؤخذ إلا من القرآن، أو مما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إما برواية جميع علماء الأمة عنه عليه الصلاة والسلام وهو الإجماع، وإما بنقل جماعة عنه عليه الصلاة والسلام وهو نقل الكافة، وإما برواية الثقات واحدا عن واحد حتى يبلغ إليه عليه الصلاة والسلام ولا مزيد. انتهى. وقال ـ أيضا: معاذ الله أن نحتج بما لا يصح. انتهى. وأما إن أريد بوجود الحديث الضعيف في المحلى: أن ابن حزم قد يحتج بما يكون ضعيفا في نفس الأمر مع اعتقاده صحته، أو أريد به ما يسوقه من الأحاديث الضعيفة التي احتج بها خصومه مع تضعيفه لها فهذا كثير في المحلى بلا شك، وكتابا المحلى لأبي محمد ابن حزم، والمغني لأبي محمد ابن قدامة ـ رحمهما الله ـ لهما مكانهما الذي لا يخفى في دواوين الإسلام، وهما من أجل كتب الفقه المقايس، وقد شهد لهذين الكتابين بغزارة النفع وعظيم الفائدة أجلاء من أهل العلم، قال الذهبي ـ رحمه الله ـ في السير: قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام وكان أحد المجتهدين: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم وكتاب المغني للشيخ موفق الدين ـ قلت: -الذهبي-: لقد صدق الشيخ عز الدين. انتهى. ولكن لا ينبغي لطالب العلم المبتدئ أن يشغل نفسه بهذه المطولات، بل عليه أن يتبع جادة أهل العلم المطروقة عبر العصور فيبدأ بمختصر سهل الأسلوب واضح العبارة في مذهب من المذاهب المتبوعة حتى إذا أحكمه وأتقن مسائله وصارت له في الفقه ملكة أمكنه أن ينظر في خلاف العلماء ومذاهبهم وأدلتهم ثم يرجح ما يقتضيه الدليل، وأما أن يبدأ المبتدئ بالنظر في هذه المطولات مع عدم الأهلية فإنه يضيع جهده ووقته كما هو معلوم مشاهد، ثم ليحذر مطالع المحلى مما وقع من ابن حزم ـ رحمه الله ـ من تفجيج العبارة وإطلاق اللسان في كبار الأئمة وأعلام الأمة فهذا مما يستنكر عليه ـ رحمه الله ـ بل على طالب العلم أن يتأدب مع العلماء وأن يعرف لهم أقدارهم وإن خالفهم في مسائل، وأن يعتقد أنهم معذورون طالبون للحق وأن يحسن الظن بهم ما أمكن، وكذا لا يلتفت إلى ما انفرد به ابن حزم عن الجمهور من المسائل التي أداه إلى الانفراد بها جموده على ظواهر النصوص ونبذه للقياس جليه وخفيه، قال الذهبي ـ رحمه الله ـ في ترجمة ابن حزم: قيل: إنه تفقه أولا للشافعي ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث والقول بالبراءة الأصلية واستصحاب الحال وصنف في ذلك كتبا كثيرة وناظر عليه وبسط لسانه وقلمه ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بل فجج العبارة وسب وجدع فكان جزاؤه من جنس فعله بحيث إنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة وهجروها ونفروا منها وأحرقت في وقت واعتنى بها آخرون من العلماء وفتشوها انتقادا واستفادة وأخذا ومؤاخذة ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجا في الرصف بالخرز المهين فتارة يطربون ومرة يعجبون ومن تفرده يهزؤون، وفي الجملة فالكمال عزيز وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ينهض بعلوم جمة ويجيد النقل ويحسن النظم والنثر وفيه دين وخير ومقاصده جميلة ومصنفاته مفيدة، وقد زهد في الرئاسة ولزم منزله مكبا على العلم فلا نغلو فيه ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار. انتهى. والله أعلم.