ثمار الرضا عن الله وأقداره

0 717

السؤال

أرجو منكم سعة الصدر لكلامي وتفهمه فأنا دائما في هذه الأيام يحضرني قصة المرأة التي سألت سيدنا داود عليه السلام هل ربك ظالم أم عادل ؟
أنا أشعر أني في حالة تشتت بحب ربنا سبحانه وتعالى لكن في نفس الوقت وأستغفر الله زعلانه من ربنا فأنا ولدت يتيمة الأب ولم أحس مطلقا بحنان الأب والأمان بوجوده، تمت خطبتي في بداية حياتي لشاب طيب لكن والدته بسبب غيرتها عليه أجبرته على فسخ الخطبة، ثم تزوجت من رجل بعد صلاتي صلاة الاستخارة وكان يحبني إلى أن تدخلت أخته في حياتنا وحولت حبه لي إلى كره وطلقني قهرا برغم توسلاتي له بعدم الطلاق حفاظا على بنتي وحتى لا تتربى بدون أب مثلي، وكان إحساسي عندما تم الطلاق كأني ذبيحة مقيدة يتم ذبحها بالإكراه.
ثم بعد طلاقي بأكثر من سنة تقدم لي رجل طيب جميل الخلقة والخلق مقيم للصلاة في المسجد تال لكتاب الله صائم للنوافل بار جدا بأمه، كان حاله كحالي لم ير استقرارا في حياته وتزوجنا وقضينا شهرا هو أسعد شهر في حياتي على الإطلاق. وأخيرا شعرت بالأمان والاستقرار معه، كنت أقول لنفسي ربنا عوضني وعوض بنتي خيرا بزوج وأب كريم حتى انقضى الشهر وبدأ المرض يظهر على زوجي وقضينا شهرين ونصف في مرض وألم حتى فاضت روح زوجي إلى بارئها، وبرغم أن الشهرين ونصف كانوا مرض ولكننا كان ظننا بالله خيرا وأن ربنا يختبرنا وأن زوجي سيشفى ونعرف نبتدي حياتنا خاصة وأننا ارتبطنا ببعض جدا وكل لحظة في حياتنا برغم وجود المرض كانت ممتعة، وكنت أسجد لله وأبكي بكل كياني أنه مثل ما أعطاني هذا الرجل الطيب الذي أحبني من كل قلبه أن يخليه لي ويرسل له ملائكة تداويه، فكان زوجي رحمة الله عليه قبل وفاته يقبل يدي ويبكى ويقول لي سامحيني من يوم ما عرفتيني لم تري راحة معي، كان يتمنى أن يعيش معي ويسعد بحياته معي ويسعدني، كان يتمنى أن يعطيني الدنيا كلها ويفرحني لكن قدر الله وقف حائلا بينا وربنا سبحانه أخده قهرا وحرمني منه قهرا.
ومن يوم وفاته وأنا حاسه أن بيني وبين الدنيا شاشة تليفزيون بتفرج على حياتي من خلالها حاسة أني لست في الدنيا وكل الأحداث السريعة التي حصلت لست مستوعبة لها فمدة الزواج والمرض والوفاة كانت ثلاثة شهور و 18يوما.
أنا أكتب لكم ما هو مكنون بنفسي ولا أستطيع نطقه خوفا وحبا لله ولكني أرى نفسي عاتبة على الله سبحانه رغم حبي له، فأنا وزوجي كنا نحلم بأبسط أمور الحياة ودون مخالفة لله سبحانه كنا نحلم ببيت بسيط يضمنا معا ونحس فيه بالأمان وأطمئن على بنتي معه هو كان بالنسبة لنا حلم لكنه لكل البشر حق مكتسب وبرغم كلماتي هذه فأنا أحب ربنا والحمد لله أصلي وأناجيه وقلبي ينشرح جدا للقرآن وأقول لنفسي كيف غير المسلمين لما يسمعوا القرآن قلبهم لا ينشرح ويسلموا لله.
أنا حاسة أني في حالة تناقض شديدة بحب ربنا سبحانه جدا وفي نفس الوقت عاتبه عليه من أن كل حياتي كلها قهر سواء من العباد أو منه هو سبحانه، أنا كتبت لكم ما هو بداخلي دون أن أبوح به لنفسي أو لأي بشر عسى أن أجد لديكم وصفا لحالتي وهل بهذه الحال أكون مغضبه لله. أفيدوني أفادكم الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله أن يحسن عزاءك في زوجك، وأن يبدلك خيرا منه، وأن يفرج همك وغمك.

ويجب عليك أن تعرفي الله تعالى حق معرفته وأن تقدريه حق قدره، فهو الخالق سبحانه وتعالى، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.

 قال سبحانه: والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب. {الرعد:41}

وقال: وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون. {القصص:68}

وقال نوح لقومه كما حكى الله عنه في كتابه: ما لكم لا ترجون لله وقارا*وقد خلقكم أطوارا{ نوح:14،13}

فمن عرف الله حق معرفته تأدب معه، ومن أحبه تعلق قلبه به. فقولك أنا زعلانة من ربنا، أو أنا عاتبة على الله، يتنافى مع ذلك كله، وإذا استقر مثل هذا في قلبك كانت له عواقب وخيمة، فيجب عليك مدافعة مثل هذه الخواطر والاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم عند ورودها. وراجعي الفتوى رقم: 45147.

  ثم ما يدريك أن لو بقي هذا الزوج حيا أن تكون حياتك معه على الحال الحسن الذي ذكرت، فالمستقبل غيب لا يعلمه إلا الله، والقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء، وعليك أن لا تفرطي في الحب ولا في البغض فكلا طرفي الأمور ذميم.

 فعلى كل فقد ابتلاك الله تعالى بفقده فعليك بالصبر حتى تنالي أجر الصابرين، وراجعي فضائل الصبر بالفتوى رقم: 18103.

 وبدلا من شغل نفسك بمثل تلك الهواجس عليك أن تتوجهي إلى الله بالدعاء أن ييسر لك زوجا خيرا منه، واعتبري بأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنهما ولا ريب أنها خير منك وزوجها خير من زوجك، روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله { إنا لله وإنا إليه راجعون } اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها. قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

   وننبه إلى أنه لا حرج على المرأة في أن تعرض تزويج نفسها على من ترجو أن يكون لها زوجا صالحا بشرط مراعاة حدود الشرع في ذلك. وننصح بالاستشارة والاستخارة في أمر الزواج منه، فما خاب من استخار ولا ندم من استشار. وراجعي الفتوى رقم: 19333. وهي عن الاستخارة في النكاح.

والله أعلم.

                                                            

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة