السؤال
قرأت في تنبيه الغافلين: أن الجلوس مع الفساق إيناسا لهم صغيرة من صغائر الذنوب ولو كانت في غير معصية، فهل هناك دليل على ذلك؟ وهل هذا يعني أن المسلم يقاطع المجتمعات، لأنه لا يخفى عليكم أنه لا يكاد يوجد مسلم في هذا الزمن ليس بفاسق إلا النزر اليسير على مذهب من يقول إن الغيبة كبيرة ونحوها؟ وماذا يقصد النحاس بالفساق هنا؟ هل هم أصحاب الكبائر المنصوص عليها، أو المتفق عليها مثلا؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ما ذكر من أن الجلوس مع الفساق إيناسا لهم إلى آخره لا نعلم صحته ولا دليله، وإذا كنت تقصد تنبيه الغافلين للسمرقندي فقد ذكر أهل العلم أنه يحوي الكثير من الموضوعات، قال البيروتي الشافعي في أسنى المطالب: وكذلك كتاب تنبيه الغافلين للسمرقندي فيه كثير من الموضوع. انتهى.
وانظر الفتوى رقم: 49119لمزيد الفائدة عن هذا الكتاب هذا مع أن مجالسة أهل الفسق عموما منهي عنها قال النووي في شرح صحيح مسلم عند كلامه على الحديث: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة ـ قال: وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس، أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة. انتهى.
وبهذا يتبين لك أنه لا تجوز مجالسة الشخص حال ارتكابه للمعصية سواء كانت غيبة أو غيرها إلا لمن ينكر عليه وينهاه عن منكره، فإن امتنع أو لم يستطع الإنكار عليه فليعتزله وليترك مجالسته, وفي بعض الحالات قد لا يجد المسلم بدا من مجالسة أهل الفسق لحاجة، أو ضرورة مع الإنكار عليهم قدر المستطاع وعدم الرضا بما هم عليه، والضرورة تقدر بقدرها، قال النووي: باب تحريم الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها والإنكار على قائلها، فإن عجز، أو لم يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه. انتهى.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث: من جالس أهل المعاصي وتكلم معهم بما فيه خير لهم من إرشادهم ودعوتهم إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة وجدالهم بالتي هي أحسن, فقد أحسن لقيامه بواجب البلاغ, فإن استجابوا فالحمد لله, وإن أصروا على عصيانهم فقد أعذر إليهم الحجة عليهم, ووجب عليه اعتزالهم بعدا عن المنكر, قال الله تعالى: وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون {الأعراف}. انتهى.
وفي الفروع لابن مفلح: وأما هجر الفاسق فمشروع إذا كان في هجره مصلحة، قال القاضي أبو الحسين في التمام: لا تختلف الرواية في وجوب هجران أهل البدع وفساق الملة، وقال في الآداب: أطلق كما ترى, وظاهره أنه لا فرق بين المجاهر وغيره في المبتدع والفاسق، وقال القاضي في الأمر بالمعروف: إلى أن قال ونقل حنبل: إذا علم من الرجل أنه مقيم على معصية لم يأثم إن هو جفاه حتى يرجع, وإلا كيف يبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكرا عليه, ولا جفوة من صديق. انتهى.
ثم إن الغيبة محرمة باتفاق المسلمين وقد عدها كثير من أهل العلم في الكبائر، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 98340
ولبيان الفرق بين الكبيرة والصغيرة راجع الفتوى رقم: 102576
ولبيان تعريف الفاسق انظر الفتوى رقم: 57909
كما بينا الفرق بين الفسوق ومطلق المعصية في الفتوى رقم: 134061فراجعها.
والله أعلم.