السؤال
فهمنا من فتواكم أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء على رأي أحمد بناء على الحديث المروي. السؤال هو هل لم يبق التوضؤ بعد أكل الإبل معمولا به في المدينة؟ وإلا فكيف فات هذا الحكم مالكا والشافعي (رضي الله عن الأئمة جميعا) ومالك كان مذهبه على عمل أهل المدينة والشافعي كان تلميذه؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الاختلاف في نقض الوضوء بأكل لحم الإبل الذي هو مذهب الإمام أحمد ومن وافقه من أهل العلم، شأنه شأن الاختلاف الجاري بين الفقهاء قديما وحديثا في الكثير من المسائل والأحكام الفقهية.
ولكل مستنده ودليله،
والخلاف موجود في المسألة من عهد الصحابة والتابعين والأئمة من بعدهم رضي الله عنهم أجمعين، فقد روي عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال: إن صح الحديث في لحوم الإبل قلت به. هذا مما يدلك على أن الأئمة القائلين بعدم نقض الوضوء بلحم الإبل كانوا على علم بهذا الحديث لكنهم لم يأخذوا به، إما لعدم علمهم بثبوته، وإما لأدلة أخرى كانت أقوى عندهم.
قال في تحفة الأحوذي: قال النووي: اختلف العلماء في أكل لحوم الجزور فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء، وممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم.
وذهب إلى انتقاض الوضوء به أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى وأبو بكر بن المنذر وابن خزيمة واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي، وحكي عن أصحاب الحديث مطلقا وحكي عن جماعة من الصحابة.
واحتج هؤلاء بحديث جابر بن سمرة الذي رواه مسلم قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان: حديث جابر وحديث البراء، وهذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه.
وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، ولكن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص، والخاص مقدم على العام. انتهى.
قال الحافظ في التلخيص: قال البيهقي: حكى بعض أصحابنا عن الشافعي قال: إن صح الحديث في لحوم الإبل قلت به، قال البيهقي: قد صح فيه حديثان حديث جابر بن سمرة وحديث البراء قاله أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه انتهى. وقال الدميري: وأنه المختار المنصور من جهة الدليل انتهى.
وانظر الفتوى رقم:40534. لبيان أقوال أهل العلم في اعتبار عمل المدينة من عدمه.
والله أعلم.