0 776

السؤال

سمعت شيخا ثقة ولا داعي لذكر اسمه يقول: إن ملك الموت عندما يأتي لقبض روح شخص يتشكل له بصورة جميلة، أو بصورة صديق يحبه ذلك الشخص إن كان الشخص مؤمنا، وإن كان كافرا فإنه يتشكل بصورة مخيفة أو وحش أو ثعبان أقرع وغيره.وقال لي شخص: في وقت الاحتضار للميت يأتيه إبليس لعنة الله عليه فيتشكل للمحتضر على هيئته الحقيقية يعني يريد فتنته قبل موته. فأرجو التوفيق بما ذكرته في الأعلى .بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الملائكة قد تأتي لبعض الناس بصور الرجال، كما جاءوا إلى إبراهيم وإلى لوط بهيئة أضياف، وجاء جبريل إلى مريم في صورة بشر، وكذلك إبراهيم عليه السلام جاءته الملائكة في صورة بشر رجال، ولم يعرف أنهم ملائكة حتى كشفوا له عن حقيقة أمرهم، وجاءوا إلى لوط في صورة شباب حسان الوجوه، وضاق لوط بهم. يقول ابن كثير: تبدى لهم الملائكة في صورة شباب حسان امتحانا واختبارا حتى قامت على قوم لوط الحجة، وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر. اهـ 

وقد كان جبريل يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة، فتارة يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وقد شاهده كثير من الصحابة، فقد رآه عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، ورأى سعد بن أبي وقاص جبريل وميكائيل في غزوة أحد كما في صحيح مسلم، وفي حديث الأبرص والأقرع والأعمى أن الله بعث لهم ملكا ابتلاء لهم، والحديث في صحيح مسلم.

وفي صحيح مسلم أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال هل لك من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته.

 جاء في شرح النووي على مسلم : وفيه أن الآدميين قد يرون الملائكة ... اهـ

ولكنه لا دليل صريحا صحيحا على أن كل من مات يشاهد بعينه الملك، ولا مانع من اختصاص بعض الناس بذلك، وقد ثبت ما يدل على إتيان الملائكة للمؤمن في صورة حسنة، وللكافر في صورة مرعبة، ولا نعلم ما يمنع مشاهدة البعض لهم كما في قصة موسى عليه السلام مع ملك الموت، وهي كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال : أجب ربك .... الحديث.
وأما إتيان الملائكة للمؤمن في صورة حسنة، وللكافر في صورة مرعبة، فيدل له ما في الحديث: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان ابن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا به إلى سماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوا عبدي إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ؛ فتعاد روحه فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان له وما علمك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي . وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ :  لا تفتح لهم أبواب السماء {الأعراف:40}. فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا فتعاد روحه في جسده ؛ ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له: ما دينك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول: رب لا تقم الساعة. رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع.

وقد ذكر ابن القيم في كتاب الروح : أن الملائكة تنزل على المحتضر وتجلس قريبا منه ويشاهدهم عيانا ويتحدثون عنده ومعهم الأكفان والحنوط إما من الجنة وإما من النار، ويؤمنون على دعاء الحاضرين بالخير والشر، وقد يسلمون على المحتضر ويرد عليهم تاره بلفظه وتارة بإشارته وتارة بقلبه، حيث لا يتمكن من نطق ولا إشارة، وقد سمع بعض المحتضرين يقول: أهلا وسهلا ومرحبا بهذه الوجوه ... ثم ساق بعض الآثار في ذلك.

وقد نقل القرطبي في التذكرة عن أبي حامد الغزالي قوله : وربما كشف للميت عن الأمر الملكوتي قبل أن يغرغر فعاين الملائكة على حسب حقيقة عمله، فإن كان لسانه منطلقا حدث بوجودهم . اهـ

وأما إتيان الشيطان للمحتضر فلا نعلم فيه نصا من الوحي، وإنما يذكره بعض أهل العلم. فقد قال القرطبي في التذكرة : قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: حضرت وفاة أبي أحمد وبيدي الخرقة لأشد لحييه، فكان يغرق ثم يفيق ويقول بيده : لا بعد، لا بعد. فعل هذا مرارا فقلت له : يا أبت أي شيء ما يبدو منك ؟ فقال: إن الشيطان قائم بحذائي عاض على أنامله يقول: يا أحمد فتني، وأنا أقول: لا بعد، لا حتى أموت . قلت: وقد سمعت شيخنا الإمام أبا العباس أحمد بن عمر القرطبي بثغر الإسكندرية يقول : حضرت أخا شيخنا أبي جعفر أحمد بن محمد بن محمد القرطبي بقرطبة وقد احتضر فقيل له : قل : لا إله إلا الله فكان يقول : لا لا فلما أفاق ذكرنا له ذلك فقال : أتاني شيطانان عن يميني وعن شمالي يقول أحدهما : مت يهوديا فإنه خير الأديان، والآخر يقول : مت نصرانيا فإنه خير الأديان، فكنت أقول لهما : لا لا ، إلي تقولان هذا ؟ وقد كتبت بيدي في كتاب الترمذي والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان يأتي أحدكم عند موته فيقول : مت يهوديا مت نصرانيا . فكان الجواب لهما لا لكما. قلت: ومثل هذا عن الصالحين كثير يكون الجواب للشيطان لا لمن يلقنه الشهادة. اهـ

هذا، وليعلم أن ما ذكر هذا الشيخ معزوا للترمذي والنسائي ذكر القرطبي أنه لم يجده فيهما .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة