السؤال
نرجوا منكم أن تصفوا لنا الاحتضار عند الميت وماذا يراه الميت عند الموت؟ وكيف تعرج الروح إلى بارئها؟ وأين تستقر الروح؟ وهل تزور أهل الدنيا؟ وكيف ذلك؟.
نرجوا منكم أن تصفوا لنا الاحتضار عند الميت وماذا يراه الميت عند الموت؟ وكيف تعرج الروح إلى بارئها؟ وأين تستقر الروح؟ وهل تزور أهل الدنيا؟ وكيف ذلك؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن أهم ما ينبغي الاعتناء به أن نعد للموت العدة بتحقيق توحيد الله تعالى وكمال الانقياد له، وأما حال الاحتضار وعروج الروح فقد بينه ما في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده وقال القرطبي في التذكرة إنه صحيح وصححه الألباني في صحيح الجامع عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع النبي صلى الله علييه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين، أو ثلاثا ثم قال إن المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مذ البصر ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون بها فلا يمرون ـ يعني بها على ملإ من الملائكة ـ إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوا إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك؟ فيقول ربي الله، فيقولان له ما دينك؟ فيقول ديني الإسلام، فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له وما علمك؟ فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد في السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره قالا ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي، قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب قال فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملإ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ـ فيقول الله عزوجل اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا ثم قرأ: ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ـ فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك؟ فيقول هاه هاه لا أدري، فيقولان له ما دينك؟ فيقول هاه هاه لا أدري، فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب فافرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة.
وقد ذكر الله تعالى بعض ما يجده بعض الكفار عند موتهم فقال: ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق {الأنفال:50}.
وقال تعالى: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون {الأنعام : 93}.
وقد ذكر ابن القيم في كتاب الروح: أن الملائكة تنزل على المحتضر وتجلس قريبا منه ويشاهدهم عيانا ويتحدثون عنده ومعهم الأكفان والحنوط إما من الجنة وإما من النار, ويؤمنون على دعاء الحاضرين بالخير والشر, وقد يسلمون على المحتضر ويرد عليهم تارة بلفظه وتارة بإشارته وتارة بقلبه, حيث لا يتمكن من نطق ولا إشارة, وقد سمع بعض المحتضرين يقول: أهلا وسهلا ومرحبا بهذه الوجوه، ثم ساق بعض الآثار في ذلك.
وأما مستقر الأرواح: فالأصل هو تعليقها بالجسد, ولكن قد تنتقل من أجل النعيم، أو العذاب انتقالا لا نعلم كيفيته كما جاء في أرواح الشهداء مثلا، كما في صحيح مسلم عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن أرواحهم في أجواف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش, تسرح من الجنة حيث شاءت, ثم تأوي إلى تلك القناديل. الحديث.
وكما في تفسير قوله تعالى في آل فرعون: النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب {غافر: 46}.
حيث فسرت بعذاب القبر على اختلاف في كيفيته, ومن العلماء من فسرها أن أرواحهم تنتقل في جهنم ثم ترجع إلى قبورها، وقد ذكر ابن القيم في كتاب الروح كلاما مطولا حول هذا الموضوع فراجعه.
وأما زيارة أرواح الأموات للأحياء فهو أمر غيبي ولم يرد في شرعنا ما يدل على ذلك فيما نعلم.
والله أعلم.