السؤال
هل الشرع يحكم الواقع الذي نعيش فيه؟ أم أن الواقع الذي نعيش فيه هو يحكم الشرع؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فلا شك أن الشرع هو الحاكم، وأنه ينبغي التعامل مع الواقع من خلال معرفة أحكام الشريعة، وهذا أصل مقرر لا يحتمل التردد، قال تعالى: ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين * وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون* وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين* أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون * إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون {النور: 47، 50} وقال سبحانه: ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا* وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا* فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا * أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا*وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما *فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما {النساء:65،60} وهنا لابد من التنبه إلى أن الشريعة تراعي في كل أحكامها واقع المكلفين الخاص والعام، ولذلك جاءت قواعدها الكلية والجزئية تتلاءم مع هذا المبدأ، فمن هذه القواعد أن الاستطاعة هي مناط التكليف، وأن الضرر يزال، وأن المشقة تجلب التيسير، وأن العادة محكمة، وأن الأمور بمقاصدها. ومن يدرك كنه هذه القواعد وأمثالها من قواعد الشريعة يعلم يقينا مدى ملاءمة الشريعة لمعايش الناس، مهما اختلف واقعهم، وتنوعت مقاصدهم، وتعددت مشاربهم. وراجع للاطلاع على القواعد الكلية الخمسة التي تدور عليها أحكام الشريعة الفتوى رقم:
وهاهنا تنبيه آخر لا بد منه، وهو أن الحكم الشرعي ذاته ثابت لا يتغير متى اتفقت صور المسائل واتحد مناطها، وإنما قد يتغير مناط الحكم تبعا لتغير الصور أو دخول العوارض المعتبرة في الشرع، ومن ثم تتغير الفتاوى والأحكام عند تنزيلها على المسائل والوقائع تبعا لذلك، ومن أمثلة ذلك: الأحكام الشرعية المعتمدة على العرف والعادة، فإنها تتغير بتغير هذا العرف زمانا ومكانا.
وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 130967.
والله أعلم.