الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأقرب ما يمكن أن يكيف به هذا العقد من حيث أصله أنه عقد إجارة بين الوزارة وبين الطالب المبتعث، على أن الأجرة في فترة الابتعاث تكون بقدر نفقات الدراسة، وهي معلومة، وبعد التوظيف تكون بالراتب المتفق عليه، ومدة العقد تكون بقدر فترة الدراسة مضافا إليها المدة التي يلزم فيها الطالب بالعمل في الوزارة بعد إنهاء دراسته، وفي هذا العقد يشترط المستأجر (الوزارة) على الأجير (الطالب) الوفاء بكامل المدة، وإلا استحق المستأجر تعويضا ماليا يتفق عليه في العقد، كشرطي جزائي للإخلال.
ويترتب على هذا التكييف الفقهي أن هذا التعويض المالي يجب أن يكون بقدر الضرر الواقعي الذي يلحق بالمستأجر، وكما أنه يجب إسقاطه إن كان للأجير عذر معتبر، وذلك أن الشرط الجزائي المشروع بصفة عامة هو ما يراعى فيه الضرر الواقعي على أحد الطرفين من ناحية، وعدم وجود عذر للطرف الآخر من ناحية أخرى.
وقد جاء في القرار الذي أصدره مجلس هيئة كبار العلماء بعد مناقشة البحوث حول الشرط الجزائي ما نصه: فإن المجلس يقرر بالإجماع أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح معتبر يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يعتبر شرعا، فيكون العذر مسقطا لوجوبه حتى يزول، وإذا كان الشرط الجزائي كثيرا عرفا بحيث يراد به التهديد المالي، ويكون بعيدا عن مقتضى القواعد الشرعية فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف على حسب ما فات من منفعة، أو لحق من مضرة، ويرجع تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر. انتهى.
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن موضوع الشرط الجزائي في البند الخامس: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لحق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي..
سادسا: لا يعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شرط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسبب خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد. انتهى.
ومما يستأنس به لذلك ما عقده الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الشروط، فقال: باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار والشروط التي يتعارفها الناس بينهم .... وقال ابن عون عن ابن سيرين: قال رجل لكريه: أرحل ركابك فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم، فلم يخرج، فقال شريح: من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه. وقال أيوب عن ابن سيرين: إن رجلا باع طعاما وقال إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع، فلم يجئ، فقال شريح للمشتري: أنت أخلفت فقضى عليه. انتهى..
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 129031، والفتوى رقم: 79669.
وإذا تقرر ذلك فاشتراط رد ما أنفقته الوزارة على الطالب أو أقل منه إذا أخل بالعقد -لا حرج فيه- وراجع للفائدة الفتوى رقم: 49238.
وأما اشتراط زيادة مقدرة سلفا على هذه النفقة الفعلية، بغض النظر عن عذر الطالب وعن الضرر الفعلي الواقع على الوزارة - فلا يصح لما أسلفنا - وراجع في ذلك الفتوى رقم: 146403..
وقد سبق لنا التنبيه على أن اشتراط مثل هذه الزيادة غير مقبول شرعا، وأن الدخول في مثل هذا العقد ممنوع، لما فيه من غرر وأكل للمال بالباطل، فراجع الفتوى رقم: 137871، والفتوى رقم: 34491.
فإذا قيل: يمكن أن تكيف هذه الزيادة المشروطة فقهيا على أنه تعويض مالي عن ضرر معنوي، فهذا لا يصح شرعا على الراجح، لأن التعويض إنما شرع لدفع الضرر لا ليكون وسيلة للتربح، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 35535، والفتوى رقم: 59367..
وإذا قيل يمكن أن تجعل من باب التعزير بالمال فهو ممنوع أيضا عند جمهور العلماء، وقد سبق بيان ذلك بأدلته في الفتوى رقم: 34484.
وإذا قيل يمكن أن تجعل من باب هبة الثواب أو الهبة بشرط العوض، فهذا لا يصح قطعا لجريان أحكام الصرف في هبة الثواب إذا كانت دراهم أو دنانير. وعلى ذلك نص أهل العلم، قال خليل في مختصره: ولا يثاب عن الذهب فضة ولا ذهب، ولا عن الفضة كذلك، لتأديته لصرف أو بدل مؤخر. انتهى.
والله أعلم.