حكم الشرع فيمن يفضل النصارى على المسلمين ويوجب الاقتداء بهم

0 401

السؤال

سؤالي: عن حكم الشرع فيمن يقول إن النصاري والكفار أشرف من العرب والمسلمين؟ ومن يقول لابد أن نقتدي بالنصاري في نجاحاتهم وتخطيطهم للحياة ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحكم بشرف أهل الكفر على أهل الإسلام، عربا كانوا أو عجما، ليس له محمل واحد، فلا يكون له حكم واحد، فإذا كان لأجل الديانة والاعتقاد فهو ردة صريحة، وأما إذا كان لأجل معنى آخر من معاني السلوك أو المدنية أو الأنظمة فهو مغالطة مرفوضة، لأن هذا الكلام يوحي بإلصاق ما أصاب المسلمين في مجالات شتى من ضعف أو تخلف أو عجز ـ بدينهم، والحقيقة إنما هي على الضد من ذلك، فكل ما أصاب المسلمين من تقهقر في أي مجال نافع إنما هو بسبب بعدهم عن حقائق الإسلام وأحكامه، وليس أدل على ذلك من استحضار حالهم عندما كانوا متمسكين بدينهم، يقيمونه واقعا عمليا في حياتهم. وراجع في ذلك الفتويين: 66907 ، 28007 للأهمية.

وقد ذم الله اليهود على تفضيلهم للمشركين على المؤمنين فقال: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا * أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا {النساء:52،51}

 قال السعدي: حملهم الكفر والحسد على أن فضلوا طريقة الكافرين بالله عبدة الأصنام على طريق المؤمنين ... فما أسمجهم وأشد عنادهم وأقل عقولهم! كيف سلكوا هذا المسلك الوخيم والوادي الذميم؟ هل ظنوا أن هذا يروج على أحد من العقلاء، أو يدخل عقل أحد من الجهلاء، فهل يفضل دين قام على عبادة الأصنام والأوثان، واستقام على تحريم الطيبات، وإباحة الخبائث، وإحلال كثير من المحرمات، وإقامة الظلم بين الخلق، وتسوية الخالق بالمخلوقين، والكفر بالله ورسله وكتبه، على دين قام على عبادة الرحمن، والإخلاص لله في السر والإعلان، والكفر بما يعبد من دونه من الأوثان، وعلى صلة الأرحام والإحسان إلى جميع الخلق حتى البهائم، وإقامة العدل والقسط بين الناس، وتحريم كل خبيث وظلم، والصدق في جميع الأقوال والأعمال، فهل هذا إلا من الهذيان، وصاحب هذا القول إما من أجهل الناس وأضعفهم عقلا، وإما من أعظمهم عنادا وتمردا ومراغمة للحق، وهذا هو الواقع، ولهذا قال تعالى عنهم: { أولئك الذين لعنهم الله } .. اهـ.

هذا إذا كان الكلام عاما، يتناول المسلمين كافة والكافرين كافة، وكذلك الحكم إذا كان التفضيل لشخص أو أمة معينة لأجل الديانة أيضا.

وأما إذا كان ذلك لمعنى آخر، فلابد من التفريق بين من يفضل كافرا على مسلم لأجل دينه، وبين من يفضله في خصلة أخرى من مناحي الحياة، فهذا الأخير يحتمل الصدق والكذب، وكل بحسبه.

وقد مدح عمرو بن العاص رضي الله عنه الروم فقال: إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك. رواه مسلم.

وأما مسألة الاقتداء بالنصارى في نجاحاتهم وتخطيطهم للحياة فهذا صحيح في ما يسلم لهم نجاحهم فيه، وحسن تخطيطهم له، فهم في ذلك محل قدوة، ولا حرج في ذلك؛ فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها. وقد استفاد النبي صلى الله عليه وسلم من حال الروم في إباحة وطء المرضع. فقال صلى الله عليه وسلم: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم. رواه مسلم.

 قال ابن الجوزي في (كشف المشكل): ذكره للروم وفارس فيحتمل ثلاثة أوجه، أحدها: لكثرتهم. والثاني: لسلامة أولادهم في الغالب وصحتهم. والثالث: أنهم أهل طب وحكمة، فلو علموا أن هذا يضر ما فعلوه والعرب لا تعرف ذلك. وهذا الوجه قاله لنا شيخنا ابن ناصر. اهـ.

وقال المناوي في (فيض القدير): يعني لو كان الجماع أو الإرضاع حال الحمل مضرا لضر أولاد الروم وفارس لأنهم يفعلونه مع كثرة الأطباء فيهم، فلو كان مضرا لمنعوه منه، فحينئذ لا أنهى عنه. اهـ.

واستفاد أيضا صلى الله عليه وسلم من معرفة أسارى بدر ـ وهم كفار ـ بالقراءة والكتابة، فأمر من لم يكن منهم معه فداء بتعليم أولاد الأنصار، فعن ابن عباس قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة. رواه أحمد والحاكم وصححه والبيهقي وابن المنذر، وحسنه الأرناؤوط.

 قال الشيخ أبو شهبة في (السيرة النبوية): بهذا العمل الجليل يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم أول من وضع حجر الأساس في إزالة الأمية وإشاعة القراءة والكتابة، وأن السبق في هذا للإسلام. اهـ.

وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 119628، 50191، 97533.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى