السؤال
بداية جزاكم الله كل خير، مشكلتي هي أنني غير مرتاحة في عملي، والسبب أنني أشعر بأن حقوقي مهضومة يعني لا أحصل على ما يجب الحصول عليه حسب النظام مع أني موظفة مجدة ومخلصة، والكل يشهد لي بذلك، مثلا لا أبعث دورات تدريبية بحجة أنني امرأة والشاب أولى، لا يتم زيادة راتبي مثل ما يجب لنفس السبب، أو أن المدير يفضل هذاعن ذاك، طالبت بحقوقي أكثر من مرة بلا فائدة، بل منعوني من الشكوى، حتى شعوري أن هناك عدم إنصاف في المؤسسة يضايقني، ويجعلني أشعر بأن هؤلاء البشر السبب وراء قلة نصيبي، أستغفر الله، فساعدوني كيف أرتاح، وخاصة أنني أشعر أنه مهما فعلت وسعيت فبلا فائدة. دائما أدعو بحسبي الله ونعم الوكيل، ومع هذا أشعر دائما بضيق في صدري، وأدعو (اللهم اجعل الدنيا آخر همنا)، ولكن دون فائدة. مع العلم أن عملي لا أستطيع التخلي عنه؛ لأنه يعطي أجرا أكبر من غيره، ولكن كما أسلفت عدم المساواة بين الموظفين هو ما يعيبه. هل هذا كله قسمة ونصيب؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فابتداء ننبه على أن كل ما يحدث للمرء من سراء أو ضراء فإنما هو بقدر الله سبحانه، ولكن ليس معنى هذا أن يستسلم الإنسان له بحجة أنه بقدر، بل هو مأمور أن ينازع القدر بالقدر، ويدفع الشر بالخير، والظلم بالعدل، والبدعة بالسنة، والسيئات بالحسنات. فهذا مذهب أهل الحق، وهذا عين ما قاله الشيخ عبد القادر الجيلاني: حيث بين أن كثيرا من الرجال ( إذا وصلوا إلى القضاء والقدر أمسكوا إلا أنا، فأني انفتحت لي فيه روزنة فنازعت أقدار الحق بالحق للحق، والرجل من يكون منازعا للقدر لا من يكون موافقا للقدر). انتهى.
يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى معلقا على هذا الكلام: وهذا الذي قاله الشيخ تكلم به على لسان المحمدية أي أن المسلم مأمور أن يفعل ما أمر الله به ويدفع ما نهى الله عنه، وإن كانت أسبابه قد قدرت، فيدفع قدر الله بقدر الله، كما جاء في الحديث الذي رواه الطبراني في كتاب الدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الدعاء والبلاء ليلتقيان بين السماء والأرض. وفي الترمذي: قيل يا رسول الله؟ أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقي بها وتقى نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا؟ فقال: هن من قدر الله. انتهى.
ويقول ابن تيمية رحمه الله أيضا في معرض تعليقه على كلام الشيخ عبد القادر رحمه الله: جميع الحوادث كائنة بقضاء الله وقدره، وقد أمرنا الله سبحانه أن نزيل الشر بالخير بحسب الإمكان، ونزيل الكفر بالإيمان والبدعة بالسنة، والمعصية بالطاعة من أنفسنا ومن عندنا، فكل من كفر أو فسق أو عصى فعليه أن يتوب وإن كان ذلك بقدر الله، وعليه أن يأمر غيره بالمعروف وينهاه عن المنكر بحسب الإمكان، ويجاهد في سبيل الله، وإن كان ما يعمله من المنكر والكفر والفسوق والعصيان بقدر الله، فليس للإنسان أن يدع السعي فيما ينفعه الله به متكلا على القدر، بل يفعل ما أمر الله ورسوله، كما روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرص على ما ينفعه، والذي ينفعه يحتاج إلى منازعة شياطين الإنس والجن، ودفع ما قدر من الشر بما قدره الله من الخير. وعليه مع ذلك أن يستعين بالله، فإنه لا حول ولا قوة إلا به، وأن يكون عمله خالصا لله. انتهى.
لذا فإنا نقول جميع ما يقع عليك من ظلم فإنما هو بقدر الله، ولكن ليس معنى هذا أن تستسلمي له، بل عليك أن تنازعي هذه الأقدار بما شرعه الله لدفع الظلم من الموعظة والنصيحة والنهي عن المنكر ثم بالتقاضي والتحاكم إلى القضاة الشرعيين الذين جعل الله لهم سلطانا لكف الظالم عن الظلم ورفع المظالم عن المظلومين.. لكن يبقى بعد ذلك النظر في بعض الأمور التي قد تظنينها من قبيل الظلم وهي في الحقيقة بخلاف ذلك، ونضرب مثلا لذلك، فلو قدر مثلا -كما ذكرت- أن تكون هناك دورة تدريبية للموظفين، فهذه قد يكون لها ظروف خاصة، لا تناسب عمل المرأة، كما لو تضمنت مثلا السفر إلى مكان ما، أو الخلوة بالرجال ونحو ذلك، ومعلوم أن خلوة المرأة بالرجال محظورة، وسفرها دون محرم محظور، وقد لا يتيسر لجهة العمل أن تزيل هذه المحظورات، فيمتنعون عن إدراج النساء في مثل هذه الدورات اتقاء للحرام، فهذا لا يكون من الظلم، بل يكون من امتثال أوامر الله تعالى، فينبغي التفريق بين ما هو من قبيل الظلم وما لا يدخل في حيز الظلم.
والله أعلم.