السؤال
لقد قرأت مؤخرا أنه في حالة إذا اجتمع العيد ويوم الجمعة يرخص لأهل القرى الذين بلغهم النداء وشهدوا صلاة العيد ألا يشهدوا صلاة الجمعة.. استشهادا بحديث لسيدنا عثمان بن عفان، ولمذهب الإمام أحمد بن حنبل أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة، وقال ابن تيمية ثلاثة آراء: أن الجمعة على من صلى العيد ومن لم يصل، أن الجمعة تسقط عن أهل البر، أن من صلى العيد سقطت عنه الجمعة.
أرجو الإفادة عن الرأي الصحيح، وهل تسقط صلاة الجمعة حقا عمن صلى العيد، أم هذا الرأي قاصر على أهل القرى؟ وهل يؤخذ برأي سقوط صلاة الجمعة في عصرنا هذا لمن شهد صلاة العيد حيث إنه حدث في هذه السنة اجتماع العيد والجمعة، واختلفت الآراء، ومن الناس من صلى الجمعة ومنهم من امتنع؟
وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمذهب الحنفية والمالكية أنه إذا اجتمع يوم العيد ويوم الجمعة، فإن إحدى الصلاتين لا تجزئ عن الأخرى.
وهذا هو مذهب الشافعي، غير أنه يرخص لأهل القرى الذين بلغهم النداء وشهدوا صلاة العيد ألا يشهدوا صلاة الجمعة، وجاء في المغني لابن قدامه: وإن اتفق عيد في يوم جمعة، سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد، إلا الإمام، فإنها لا تسقط عنه إلا أن لا يجتمع له من يصلي به الجمعة. وقيل: في وجوبها على الإمام روايتان. اهـ.
وروي عنه أيضا أنه إذا صليت الجمعة في وقت العيد أجزأت صلاة الجمعة عن صلاة العيد وذلك مبني على رأيه في جواز تقديم الجمعة قبل الزوال.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله تعالى- عن ذلك فأجاب: الحمد لله، إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه تجب الجمعة على من شهد العيد، كما تجب سائر الجمع للعمومات الدالة على وجوب الجمعة.
الثاني: تسقط عن أهل البر، مثل أهل العوالي والشواذ، لأن عثمان بن عفان أرخص لهم في ترك الجمعة لما صلى بهم العيد. والقول الثالث: وهو الصحيح: أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد، وهذا هو المأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه: كعمر، وعثمان، وابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، وغيرهم. ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف، وأصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما اجتمع في يومه عيدان، صلى العيد، ثم رخص في الجمعة، وفي لفظ أنه قال: أيها الناس! إنكم قد أصبتم خيرا، فمن شاء أن يشهد الجمعة فليشهد، فإنا مجمعون، وأيضا فإنه إذا شهد العيد حصل مقصود الاجتماع، ثم إنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة، فتكون الظهر في وقتها، والعيد يحصل مقصود الجمعة. وفي إيجابها على الناس تضييق عليهم، وتكدير لمقصود عيدهم، وما سن لهم من السرور فيه، والانبساط، فإذا حبسوا عن ذلك عاد العيد على مقصوده بالإبطال، ولأن يوم الجمعة عيد، ويوم الفطر والنحر عيد، ومن شأن الشارع إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد أدخل إحداهما في الأخرى، كما يدخل الوضوء في الغسل، وأحد الغسلين في الآخر. والله أعلم. اهـ.
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى-: وإذا وافق العيد يوم الجمعة، جاز لمن حضر العيد أن يصلى جمعة، وأن يصلي ظهرا، لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- في هذا، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رخص في الجمعة لمن حضر العيد، وقال: اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شهد العيد، فلا جمعة عليه، ولكن لا يدع صلاة الظهر، والأفضل أن يصلي مع الناس جمعة، فإن لم يصل الجمعة صلى ظهرا، أما الإمام فيصلي بمن حضر الجمعة إذا كانوا ثلاثة فأكثر منهم الإمام، فإن لم يحضر معه إلا واحد صليا ظهرا. اهـ.
وما رجحه شيخ الإسلام، وما تضمنته فتوى الشيخ ابن باز -رحم الله الجميع- هو الراجح - إن شاء الله تعالى. للأدلة التي ذكراها.
والله أعلم.