السؤال
زوج أختي يعمل في شركة السكة الحديدية حيث يعمل سائق قطار ووقعت له حوادث كثيرة أدت غالبيتها إلى وفاة الأشخاص (من بين الأشخاص منهم من انتحر ومنهم من صدمه القطار نتيجة لعدم انتباه الشخص مع العلم أن إيقاف القطار قبل لحظة الاصطدام أمر صعب جدا) ويتراوح عدد الأشخاص ما بين 15 و20 شخصا السؤال: ما حكم الدين في ذلك؟ مع العلم أنه موظف بسيط وأن هذه الحوادث سوف تتكرر غالبا (لا يستطيع دفع الدية ولا الصيام لأنه قبل أن يكمل الصيام يحدث له حادث آخر وإذا بقي هكذا فسوف يصوم الدهر كله). يرجى الرد سريعا من فضلكم لأن زوج أختي في حالة يرثى لها لأن ضميره يؤنبه كثيرا. وجزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا لا نستطيع أن نحكم لك حكما واحدا على جميع هذه الحوادث، لأن كل واحدة منها لها أحوالها الخاصة التي أحاطت بها، ولذلك فإننا سنضع لك بعض القواعد التي من خلالها تستطيع الحكم عليها، ولقد كان هذا هو منهج أئمة الأمة رحمة الله عليهم أجمعين، لأن الحوادث تتجدد وتختلف صورتها وكيفياتها من عصر إلى عصر، بسبب التطور الذي يحدث في وسائل المواصلات وغيرها، ومن القواعد التي وضعها العلماء في عصرنا الحديث ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في مؤتمره الثامن المنعقد في (بروناي دار السلام) سنة 1414هـ الموافق 1993م وفيه ما يلي:
البند الثاني: الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة الإسلامية، وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ، والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار، سواء في البدن أم المال، إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر، ولا يعفى من المسؤولية إلا في الحالات التالية:
1- إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها، وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان.
2- إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيرا قويا في إحداث النتيجة.
3- إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه، فيتحمل الغير المسؤولية.
البند الرابع: إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر، كان على كل واحد منهما تبعة ما تلف من الآخر من نفس أو مال.
ويتبين لنا من هذين البندين أن الأصل ضمان القائد، تعدى أم لم يتعد، لكن إذا كان فعل المتضرر (الذي مات في الحادث) فعلا مؤثرا قويا في موته، كالمنتحر الذي يلقي بنفسه أمام القطار، فالقائد معفو عنه في هذه الحالة، كما جاء ذلك في رقم (2) من البند الثاني.
وكذلك إذا كان القائد لا يستطيع أن يتلافى الحادث مهما فعل، فيكون المتضرر (الذي أصابه الحادث) قد مات بقوة قاهرة لا يستطيع القائد دفعها، فلا شيء على القائد بناء على قاعدة (ما لا يمكن التحرز عنه لا ضمان فيه)، وهذا ينطبق في غالب الأحوال على قائد القطار، لأنه ملتزم بسرعة وطريق معينين، وقد تؤدي محاولة وقوفه إلى هلاك القطار بأكمله، بخلاف ما لو أمكنه الوقوف كأن يكون بطيء السرعة، فيتساهل في الأمر مع أنه يمكنه إيقاف القطار، وهذا يحصل كثيرا عندما يكون القطار قد اقترب من محطة الوقوف، ففي هذه الحالة يتحمل المسؤولية، وقد نوه المجمع على هذا في رقم (1) من البند الثاني: وقد يكون الحادث بسبب فعل واحد غير القائد، كالمسؤول عن الأماكن المخصصة لعبور السيارات والمشاة، والتي تسمى (المزلقان) حيث توجد عليها بوابات إذا فتحها المسؤول جاز المرور وإلا فلا، فإذا فتحها المسؤول أثناء قدوم القطار فمر أحد بسيارته أو على قدميه، فالضامن هنا ليس القائد، وإنما يضمن المسؤول لأنه هو المتسبب، وهذا ما ذكره المجمع في رقم (3) من البند الثاني.
وقد يشترك القائد مع المتضرر في الحادث، كأن يمر المتضرر أمام القطار، ويراه القائد ثم يفرط في تنبيهه بأداة التنبيه الصوتية عند مناسبة المسافة بينه وبينه، ففي هذه الحالة يتحمل كل واحد منهما الضرر الذي أصاب الآخر، وهذا ما صرح به البند الرابع.
وليعلم أن هذه البنود جاءت نتيجة للبحوث المقدمة للمجمع من عدد من العلماء، ومناقشات دارت بينهم وبين أعضاء المجمع خلصوا من خلالها للقرار الذي تضمن ما ذكرته.
وفي الحال التي يتقرر فيها أن المسؤولية على السائق، فإنه يلزمه الدية والكفارة، أما الدية فعلى عاقلته، فإن لم توجد فعلى بيت المال، فتؤخذ من الخزينة العامة.
وأما الكفارة: فهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطيع الصوم لمرض أو كبر سقطت عنه.
والله أعلم.