السؤال
هل يجوز قول إن الصحابة أخطأوا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإن كان المراد بذلك نسبة الخطأ إلى مجموعهم ولو في مسألة واحدة، فهذا باطل قطعا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة. رواه الترمذي وصححه الألباني. والصحابة هم أولى الناس بهذا الحديث. قال ابن كثير: أهل السنة والجماعة يقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة: هو بدعة؛ لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها. اهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة النبوية): الله تعالى قد ضمن العصمة للأمة، فمن تمام العصمة أن يجعل عددا من العلماء إن أخطأ الواحد منهم في شيء كان الآخر قد أصاب فيه، حتى لا يضيع الحق، ولهذا لما كان في قول بعضهم من الخطأ مسائل .. كان الصواب في قول الآخر .. اهـ. وأما إن كان المراد تخطئة أحدهم أو بعضهم فهذا مقبول من حيث الجملة، فإن أهل السنة قد أجمعوا على أنهم بشر غير معصومين. قال شيخ الإسلام: دعوى العصمة فيمن سوى الرسول صلى الله عليه و سلم دعوى باطلة قطعا. اهـ. وقال أيضا: أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ولله الحمد من أصدق الناس حديثا عنه، لا يعرف فيهم من تعمد عليه كذبا، مع أنه كان يقع من أحدهم من الهنات ما يقع ولهم ذنوب وليسوا معصومين. اهـ. وقال: ليس القوم معصومين، بل هم مع كونهم أولياء الله ومن أهل الجنة، لهم ذنوب يغفرها الله لهم. اهـ. وقال أيضا: نحن لسنا ندعى لواحد من هؤلاء ـ يعني عثمان وعلي وطلحة والزبير وعائشة ـ العصمة من كل ذنب، بل ندعى أنهم من أولياء الله المتقين وحزبه المفلحين وعباده الصالحين، وأنهم من سادات أهل الجنة، ونقول: إن الذنوب جائزة على من هو أفضل منهم من الصديقين، ومن هو أكبر من الصديقين، ولكن الذنوب يرفع عقابها بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك، وهؤلاء لهم من التوبة والاستغفار والحسنات ما ليس لمن هو دونهم، وابتلوا بمصائب يكفر الله بها خطاياهم لم يبتل بها من دونهم، فلهم من السعي المشكور والعمل المبرور ما ليس لمن بعدهم، وهم بمغفرة الذنوب أحق من غيرهم ممن بعدهم، والكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل لا بجهل وظلم كحال أهل البدع. اهـ. ويبقى هنا أن نشير إلى أن عدم عصمتهم لا يقدح في عدالتهم كما لا يخفى، قال ابن القيم في (مفتاح دار السعادة): قد يغلط في مسمى العدالة فيظن أن المراد بالعدل من لا ذنب له، وليس كذلك، بل هو عدل مؤتمن على الدين، وإن كان منه ما يتوب إلى الله منه، فإن هذا لا ينافي العدالة كما لا ينافي الإيمان والولاية. اهـ. ومع ذلك فلابد من النظر في غرض من يخطئ أحدا من الصحابة، فإن كان مراده ما سبق بيانه من نفي العصمة عن آحادهم، فهذا حق. وأما إن اتخذ ذلك سبيلا إلى سبهم والطعن فيهم أو انتقاصهم حقهم، فهذا من علامات أهل الشقاق والنفاق، وراجع في بيان حكم سب الصحابة والطعن فيهم الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 136054،
والله أعلم.