السؤال
أنا أشتكي من القلق على ديني وعقيدتي ، أنا أبحث عن الإجابة الشافية .حين أرى النصارى أو حتى الفئات التي ضلت عن العقيدة الإسلامية الصحيحة حين ألحظ عليهم مدى تمسكهم باعتقادهم وتصديقهم به، بل والراحة النفسية التي يشعرون بها أخاف. أعرف أن هذه وساوس، وهذا صريح الإيمان، لكن أعاني من شبهات النصارى، وفؤادي يضيق، هل من حل؟ أنا خائف مع إني قد قرأت كتاب ابن قيم الجوزية هداية الحيارى في أجوبة اليهود و النصارى. مع علمي أن عقيدتي سليمة، لكن الشيطان لعنة الله عليه لا يتركني. إذن إخوتي ساعدوني ماذا أفعل ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكره العبد وخوفه ونفوره من هذه الخواطر والوساوس الشيطانية، علامة على الإيمان وصحة الاعتقاد، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ. وراجع في ذلك الفتويين: 7950 ، 12300.
ولا ريب أن هناك فرقا بين الشك الذي يخرج صاحبه من الملة وبين الوسوسة، فالوسوسة: هي ما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه دلت كراهته على صريح الإيمان، وأما الشك: فهو نقيض اليقين، وهو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، ولا يكون العبد مؤمنا إذا وقع في مثل هذا الشك. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 120582.
وأما ما ذكره السائل ـ من تمسك الضالين باعتقادهم وما يشعرون به من الراحة النفسية مع ذلك ـ ففيه الصواب وفيه الخطأ، فتمسكهم بذلك واقع مشاهد، ولكنه لا يدل على صحة اعتقادهم، وإلا لحكم بصحة النقيضين، فما من أهل دين وإلا ويوجد فيهم المتمسك به المصدق له. كما يوجد من البشر من يلحد ويتزندق ويجزم بعدم وجود الله أصلا !! ويوجد منهم من يؤمن بالدجل والخرافات والأساطير السخيفة ونحو ذلك مما يأباه كل ذي فهم صحيح. وقد قال تعالى: قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل [المائدة: 77] قال البغوي: قوله: { غير الحق } أي: في دينكم المخالف للحق، وذلك أنهم خالفوا الحق في دينهم، ثم غلوا فيه بالإصرار عليه. اهـ.
وأما الراحة النفسية التي ذكرها السائل فلا تعدو حد الظنون والأوهام، فإن هذا لا يمكن أن يحصل على وجه الصحة والكمال مع غياب الإيمان، الذي هو مادة حياة القلب ونوره، بل الحاصل لا يكون إلا ضيق الصدر وضنك الحياة، كما قال تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى [طه: 124]. قال ابن القيم: فالمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، في دنياه وفي البرزخ ويوم معاده، ولا تقر العين ولا يهدى القلب ولا تطمئن النفس إلا بإلهها ومعبودها الذي هو حق، وكل معبود سواه باطل، فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه علي الدنيا حسرات، والله تعالى إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن بالله وعمل صالحا، كما قال تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون {النحل : 97}. فضمن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاء في الدنيا بالحياة الطيبة، والحسني يوم القيامة، فلهم أطيب الحياتين وهم أحياء في الدارين، ونظير هذا قوله تعالى: وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين {النحل : 30}. اهـ
وأما الحل الذي طلبه السائل فإنه يبدأ بالإعراض عن هذه الوساوس، ثم البعد عن تعريض النفس للشبهات حتى تتأهل لدفعها برسوخ العلم وقوة الإيمان، فلا تلتفت إلى شبهات النصارى ولا غيرهم، وإن كنت لابد فاعلا فعليك بما كتبه أهل الاختصاص الذي درسوا الإسلام والنصرانية، وأظهروا الحق وفندوا الباطل، ويمكنك أن تطلع على المحاور الرئيسة في مناقشة النصرانية، وأهم المراجع في ذلك، بالاطلاع على الفتوى رقم: 10326.
والله أعلم.