الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في الرجل يجامع زوجته، وهو يتخيل امرأة أخرى، وكذا المرأة يجامعها زوجها، وهي تتخيل رجلا آخر:
فذهب الأكثر إلى أن ذلك حرام، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة، وبعض الشافعية، بل عده بعضهم من الزنى، قال ابن الحاج المالكي: ويتعين عليه أن يتحفظ على نفسه بالفعل، وفي غيره بالقول من هذه الخصلة القبيحة، التي عمت بها البلوى في الغالب، وهي أن الرجل إذا رأى امرأة أعجبته، وأتى أهله، جعل بين عينيه تلك المرأة التي رآها، وهذا نوع من الزنى؛ لما قاله علماؤنا فيمن أخذ كوزا من الماء، فصور بين عينيه أنه خمر يشربه، أن ذلك الماء يصير عليه حراما، وهذا مما عمت به البلوى؛ حتى لقد قال لي من أثق به: إنه استفتى في ذلك من ينسب إلى العلم، فأفتى بأن قال: إنه يؤجر على ذلك، وعلله بأن قال: إذا فعل ذلك، صان دينه، فإنا لله وإنا إليه راجعون على وجود الجهل، والجهل بالجهل، وما ذكر لا يختص بالرجل وحده، بل المرأة داخلة فيه، بل هو أشد؛ لأن الغالب عليها في هذا الزمان الخروج، أو النظر، فإذا رأت من يعجبها، تعلق بخاطرها، فإذا كانت عند الاجتماع بزوجها، جعلت تلك الصورة التي رأتها بين عينيها، فيكون كل واحد منهما في معنى الزاني، نسأل الله العافية… انتهى المراد من كلام ابن الحاج من كتابه المدخل. وقال ابن مفلح الحنبلي في الآداب: وقد ذكر ابن عقيل، وجزم به في الرعاية الكبرى: أنه لو استحضر عند جماع زوجته صورة أجنبية محرمة، أنه يأثم.. وقال ابن عابدين الحنفي -بعد ذكره كلام ابن حجر الهيتمي الشافعي- الآتي: ولم أر من تعرض للمسالة عندنا (يعني الحنفية)، وإنما قال في الدرر: إذا شرب الماء، وغيره من المباحات بلهو، وطرب، على هيئة الفسقة، حرم، والأقرب لقواعد مذهبنا: عدم الحل؛ لأن تصور تلك الأجنبية بين يديه يطؤها، فيه تصوير مباشرة المعصية على هيئتها، فهو نظير مسألة الشرب، ثم رأيت صاحب تبيين المحارم من علمائنا نقل عبارة ابن الحاج، وأقرها. انتهى من حاشية ابن عابدين.
أما الشافعية: فالمعتمد عندهم هو جواز ذلك، قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: فرع: وطئ حليلته متفكرا في محاسن أجنبية، خيل إليه أنه يطؤها، فهل يحرم ذلك التفكر، والتخيل؟
اختلف في ذلك جمع متأخرون، بعد أن قالوا: إن المسألة ليست منقولة، فقال: جمع محققون -كابن الفركاح، وابن البزري، والرداد شارح الإرشاد، والسيوطي، وغيرهم- بحل ذلك، واقتضاه كلام التقي السبكي في كلامه على قاعدة سد الذرائع، واستدل الأول لذلك بحديث: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت بها أنفسها... "، ولك رده بأن الحديث ليس فيه ذلك، بل في خاطر تحرك النفس، هل يفعل المعصية، كالزنى، ومقدماته، أو لا، فلا يؤاخذ به، إلا إن صمم على فعله، بخلاف الهاجس، والواجس، وحديث النفس، والعزم، وما نحن فيه ليس بواحد من هذه الخمسة؛ لأنه لم يخطر له عند ذلك التفكر، والتخيل، فعل زنى، ولا مقدمة له، فضلا عن العزم عليه، وإنما الواقع فيه تصور قبيح بصورة حسن، فهو متناس للوصف الذاتي، ومتذكر للوصف العارض.
فإن قلت: يلزم من تخيله، وقوع وطئه في تلك الأجنبية، أنه عازم على الزنى بها.
قلت: ممنوع، كما هو واضح، وإنما اللازم فرض موطوءته هي تلك الحسناء لو ظفر بها حقيقة، لم يأثم، إلا إن صمم على ذلك، فاتضح أن كلا من التفكر، والتخيل، حال غير تلك الخواطر الخمسة، وأنه لا إثم، إلا إن صمم على فعل المعصية بتلك المتخيلة لو ظفر بها في الخارج.
قال ابن البزري: وينبغي كراهة ذلك، ورد بأن الكراهة لا بد فيها من حكم خاص …
ونقل ابن الحاج عن بعض: العلماء أنه يستحب، فيؤجر عليه؛ لأنه يصون به دينه، واستقر به بعض المتأخرين منا، إذا صح قصده، بأن خشي تعلقها بقلبه، واسـتأنس له بما في الحديث الصحيح من أمر "من رأى امرأة، فأعجبته، فإنه يأتي امرأته، فيواقعها". انتهى.
وفيه نظر؛ لأن إدمان ذلك التخيل، يبقي له تعلقا ما بتلك الصورة، فهو باعث على التعلق بها، لا أنه قاطع له… ثم ذكر كلام ابن الحاج السابق، وقال: ورده بعض المتأخرين، بأنه في غاية البعد، ولا دليل عليه، وإنما بناه على قاعدة مذهبه في سد الذرائع، وأصحابنا لا يقولون بها… وقد بسطت الكلام على هذه الآراء الأربعة في الفتاوى، وبينت أن قاعدة مذهبه، لا تدل لما قاله في المرأة، وفرقت بينها وبين صورة الماء بفرق واضح، لا غبار عليه، فراجع ذلك كله، فإنه مهم. انتهى المراد من كلام ابن حجر الهيتمي.
على أن بعض الشافعية ذهب إلى التحريم، حيث قال: العراقي في طرح التثريب: لو جامع أهله، وفي ذهنه مجامعة من تحرم عليه، وصور في ذهنه أنه يجامع تلك الصورة المحرمة، فإنه يحرم عليه ذلك، وكل ذلك؛ لتشبهه بصورة الحرام. والله أعلم. انتهى.
وعلى العموم؛ فإن عليك أن تتركي هذه العادة، وأن تستغفري الله مما مضى، واحذري من العودة إلى ذلك؛ لأنه قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
وما بينك وبين زوجك، يمكن حله بجلسة مصارحة بينكما، أو بتوسيط من له كلمة عليه.
كما يمكنك كسب زوجك، ووده، ومحبته بحسن العشرة، والطاعة، والتزين له، والتبسم في وجهه، ونحو ذلك -نسأل الله أن يصلح لك زوجك، وأن يصلح ذات بينكما، وأن يجنبنا وإياك معصيته، وأن يوفقنا وإياك لرضاه-.
والله أعلم.