حكم إقامة وليمة وختم القرآن لدفع العين وأذى الجان

0 248

السؤال

جزاكم الله خير عن ما تقدمونه من مجهودات في خدمة دين الله، ونسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم. السؤال : جرت العادة في بلادنا أنه من ينتقل إلى منزل جديد يقوم بذبح شاة أو خروف ويقيم وليمة للأهل والهدف من ذلك دفع العين و الحسد كما يزعمون، ثم يقوم الأهل بعد الوليمة بالإجتماع لختم القرآن، وذلك بالاجتماع في حلقة يقرأ كل شخص ثمنا والبقية تنصت، ثم يقوم شخص بالدعاء والبقية بالتأمين، وما يرافق ذلك من تكبير عند الوصول لسورة الضحى وقراءة المنجيات السبع وغيره من البدع التي لم ينزل بها الله من سلطان. المشكل أن هولاء الأشخاص مقتنعون بهذا، ولا يرون فيه مشكلا، وذلك لقلة علمهم، وإذا ناقشتهم في ذلك تصبح متعصبا ومتشددا وما إلى ذلك. على حسب علمي البسيط فإن الوليمة مستحبة عند الانتقال إلى منزل جديد، ولا حرج فيها إذ خلت من مظاهر الشرك. فهل يجوز لي مشاركة هولاء الوليمة وقراءة القرآن معهم؛ لأنني جرت العادة أن أشاركهم في ذلك في السابق لجهلي بسنة رسول الله و إذا لن أشاركهم فسيفتح ذلك باب التأويل ..., دون مشاركتهم الأذكار والتهليل وغيره؛ لأن المنزل هذه المرة هو لأختي ولا أستطيع عدم الحضور لأن ذلك سيولد نوعا من المشاكل العائلية. آسف على الإطالة، و جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن ما يفعله بعض الناس من الذبح عند بناء بيت جديد والسكن فيه يشرع إذا كان شكرا لله تعالى وإظهارا للفرح، وإكراما للمهنئين، أو صدقة على الفقراء والمساكين. أما إن كان لدفع العين، أو الجن فهو محرم تحريما غليظا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع ذلك لدفع العين، وإنما المشروع هو الرقية، وقراءة المعوذتين وغير ذلك مما هو معلوم.

وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين: الواجب الحذر من بعض العقائد التي يؤمن بها كثير من الناس. فيقولون : إنه لا بد لحفظ البيت الجديد أو السيارة الجديدة من التقرب بالذبح وتلطيخه بدم المذبوح، وأن الأرواح الشريرة لا تنكفئ عنك إلا بذلك، وإلا فسرعان ما تزول النعمة، وهذا اعتقاد جاهلي لا يصدر عمن يؤمن بالله ربا يملك النفع والضر، وبيده الخلق والأمر، ويعلم أنه لا يجوز التقرب بالنسك والعبادة إلا لوجه الله سبحانه وتعالى . اهـ 

وسئل علماء اللجنة الدائمة عما اعتاده كثير من الناس أن الذبح على عتبة المنزل الجديد وقبل دخوله من أهم الأسباب لدفع العين، ولجعل البيت مباركا، ولتجنب المآسي والحوادث غير المستحبة. فأجابوا:

إذا كانت هذه العادة أي الذبح عند عتبة البيت الجديد من أجل إرضاء الجن وتجنب المآسي والأحداث الكريهة : فهي عادة محرمة بل شرك، وهذا هو الظاهر من تقديم الذبح على النزول بالبيت، وجعله على العتبة على الخصوص. اهـ 

هذا، وإن مما يصلح البيوت ويجعل فيها الخير والبركة ويبعد عنها الشياطين والشرور ما يلي :

1- قراءة سورة البقرة، فقد ثبت في الحديث الصحيح أن البيت الذي تقرأ فيه لا يدخله شيطان. كما تقدم في الفتوى رقم : 57032.

2- الإكثار من صلاة النافلة. كما تقدم في الفتوى رقم : 31122.

3- الإكثار من تلاوة القرآن، وكذا من ذكر الله تعالى عموما، وأذكار الصباح والمساء، ودخول المنزل والخروج منه ونحوها من الأذكار الموظفة خصوصا. وراجع الفتوى رقم : 18755.
4- الحرص على عدم وجود منكرات داخل البيت، أو أشياء محرمة كمشاهدة الأفلام الخليعة، أو صور يحرم نظرها.

وعلى العموم، فإذا كان البيت عامرا بذكر الله تعالى خاليا من المحرمات والمنكرات مع اتصاف أهله بالاستقامة على أوامر الله تعالى، فالمرجو أن تصلح كل أموره، ويكون مباركا على أهله، ويعيشون في سعادة ووئام. وراجع الفتوى رقم : 58076.

والإجتماع لقراءة القرآن عند الانتقال إلى البيت الجديد لا بأس به إذا لم يعتقد أن ذلك سنة متبعة لهذه المناسبة، وإنما يجتمع فيه للقراءة رجاء بركة القرآن العظيم. فهذا أمر مشروع. وراجع الفتوى رقم : 27933.

وأما التكبير والذكر في السور الأخيرة فهو سنة وهو قراءة البزي عن ابن كثير. ويشرع عنده أن تجمع التهليل والحمدلة مع التكبير كما قال ابن الجزري في النشر وابن كثير في التفسير، وقد ذكر ابن الجزري أنه جرت عادة المكيين من القديم بالمداومة عليه في التراويح .

وقال القرطبي : فصل : يكبر القارئ في رواية البزي عن ابن كثير، وقد رواه مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغ آخر والضحى كبر بعد كل سورة تكبيرة إلى أن يختم القرآن، ولا يصل آخر السورة بتكبيرة، بل يفصل بينهما بسكتة. وذكر الحاكم في المستدرك فإني قرأت على عبدالله بن كثير فلما بلغت والضحى قال : كبر حتى تختم وأخبره أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بذلك. هذا حديث صحيح ولم يخرجاه .

ويمكنك أن تطالع المزيد في النشر على القراءات العشر، وفي شروح الشاطبية على القراءات السبع.

فإذا تقرر هذا، وكانت الوليمة لدفع أذى الجن والحسد لا شكرا للمنعم المتفضل فحضورها غير جائز ما لم يكن الحضور لإزالة المنكر وتصحيح العقائد والأفكار الباطلة المتعلقة بها، فإن أمكنك الحضور والحوار مع القوم بكلام علمي تفيدهم فيه، فاحرص على ذلك لأن العوائد المبتدعة لا تموت عادة من أول مرة، ولكنه إذا نوقش أمرها وبين الحق فيها مرات، فإن الحق المبين بحكمة سيدمغ الباطل إن شاء الله.

واعلم أنه قد اختلف في حضور الوليمة عموما. هل يجب في غير النكاح أم لا؟ وجوزوا التخلف إن كان فيها منكر لم يمكن إنكاره.

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم : إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها . فيه الأمر بحضورها ولا خلاف في أنه مأمور به، ولكن هل هو أمر إيجاب أو ندب فيه خلاف الأصح في مذهبنا أنه فرض عين على كل من دعي، لكن يسقط بأعذار سنذكرها إن شاء الله تعالى . والثاني : أنه فرض كفاية. والثالث : مندوب . هذا مذهبنا في وليمة العرس. وأما غيرها ففيها وجهان لأصحابنا أحدهما : أنها كوليمة العرس. والثاني : أن الإجابة إليها ندب وإن كانت في العرس واجبة. ونقل القاضي اتفاق العلماء على وجوب الإجابة في وليمة العرس. قال : واختلفوا فيما سواها فقال مالك والجمهور : لا تجب الإجابة إليها. وقال أهل الظاهر : تجب الإجابة إلى كل دعوة من عرس وغيره وبه قال بعض السلف.

وأما الأعذار التي يسقط بها وجوب إجابة الدعوة أو ندبها فمنها أن يكون في الطعام شبهة، أو يخص بها الأغنياء، أو يكون هناك من يتأذى بحضوره معه، أو لا تليق به مجالسته، أو يدعوه لخوف شره، أو لطمع في جاهه، أو ليعاونه على باطل، وأن لا يكون هناك منكر من خمر أو لهو أو فرش حرير أو صور حيوان غير مفروشة أو آنية ذهب أو فضة، فكل هذه أعذار في ترك الإجابة. ومن الأعذار أن يعتذر إلى الداعي فيتركه. اهـ

والله أعلم. 

  

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات