السؤال
في رمضان الفائت سألني الأهل في البيت أول أذان الفجر حسب التقويم الهجري القطري عن شرب الماء .
وقد كنت حينها على ثقة بأنني قرأت فتوى أنه يجوز للمرء شرب ماء أو أكل ما في يده حتى آخر الأذان .
ثم أربكتني فتواكم هذه 153773 وخلطت بين الأمرين .
وما بين من رفع إناءه ليشرب ونطق الأذان !؟
وأنا على نية إن شاء الله صيام شعبان القادم كله بنية القضاء إبراء لذمتي قبل فتواكم هذه والآن تشتت أفكاري!
فمالذي يجب علي الآن ؟ وما الواجب تجاه أهلي ؟
علما أنني لا أفتي أحدا ولست أهلا للفتيا إنما أقرأ لهم الفتاوى الموثوقة . وأحسبني على حق .
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي أوجب لك الإشكال في هذه المسألة واعتمد عليه من أفتى بالفتوى التي قرأتها أولا هو ما رواه أحمد
وأبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه.
والصواب أن هذا الحديث محمول على النداء الأول للصبح والذي يكون قبل دخول وقت الفجر ليجمع بين الأدلة.
فإن النصوص واضحة في عدم جواز الأكل والشرب بعد تبين الفجر كقوله تعالى: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر{البقرة:187}.
أو يحمل على حال الشك في طلوع الفجر.
قال في المرعاة: قال البيهقي: هذا الحديث إن صح فهو محمول عند عوام أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علم أن المنادي كان ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر. وقوله: هذا خبر عن النداء الأول. وقال الخطابي: هذا على قوله إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير: ( إذا سمع أحدكم النداء ) أي الأذان للصبح وهو يريد الصوم ( والإناء ) مبتدأ ( على يده ) خبره ( فلا يضعه ) نهي أو نفي بمعناه ( حتى يقضي حاجته ) بأن يشرب منه كفايته ما لم يتحقق طلوع الفجر أو يظنه يقرب منه، وما ذكر من أن المراد به أذان الصبح هو ما جزم به الرافعي فقال : أراد أذان بلال الأول بدليل: إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. وقيل المراد أذان المغرب فإذا سمعه الصائم والإناء في يده فلا يضعه بل يفطر فورا محافظة على تعجيل الفطر . انتهى.
فإذا علمت ما مر وأن هذا الحديث إن صح يحمل على أحد الوجوه المتقدمة جمعا بين النصوص فإن كنت أنت وأهلك قد تعاطيتم المفطر بعد تبين طلوع الفجر فنرجو أنه لا إثم عليكم لمكان الجهل والتأويل، وعليك بيان حكم الشرع لهم وأن ما ذكرته لهم من قبل لم يكن صحيحا، ولو قضيتم هذه الأيام احتياطا لكان حسنا، وإن كان القول بعدم لزوم القضاء لكم قولا قويا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر عدي بن حاتم رضي الله عنه بالقضاء حين أكل بعد تبين الفجر متأولا معنى الخيط الأبيض والخيط الأسود على خلاف الصواب في معناه. يقول شيخ الإسلام رحمه الله: والصائم إذا فعل ما يفطر به جاهلا بتحريم ذلك فهل عليه الاعادة ؟ على قولين في مذهب أحمد وكذلك من فعل محظورا في الحج جاهلا.
وأصل هذا : أن حكم الخطاب : هل يثبت في حق المكلف قبل أن يبلغه ؟ فيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره قيل : يثبت وقيل : لا يثبت وقيل : يثبت المبتدأ دون الناسخ. والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ لقوله تعالى : { لأنذركم به ومن بلغ } وقوله : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } ولقوله : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } ومثل هذا في القرآن متعدد بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدا حتى يبلغه ما جاء به الرسول.
ومن علم أن محمدا رسول الله فآمن بذلك ولم يعلم كثيرا مما جاء به لم يعذبه الله على ما لم يبلغه، فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان بعد البلوغ فإنه لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلاغ أولى وأحرى وهذه سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم المستفيضة عنه في أمثال ذلك.
فإنه قد ثبت في الصحاح أن طائفة من أصحابه ظنوا أن قوله تعالى : الخيط الأبيض من الخيط الأسود. هو الحبل الأبيض من الحبل الأسود فكان أحدهم يربط في رجله حبلا ثم يأكل حتى يتبين هذا من هذا فبين النبي صلى الله عليه و سلم أن المراد بياض النهار وسواد الليل ولم يأمرهم بالإعادة. إلى آخر كلامه رحمه الله.
والله أعلم.