وجوب الاحتياط في مسألة طلاق الغضبان

0 390

السؤال

أبي رد على هذا الموضوع للشيخ محمد القديري رئيس الإفتاء في درنة، والمعتاد أن طرفي النزاع في الأسرة ـ وهما الزوج والزوجة ـ عندما يشتد بينهما الخلاف ويبلغ عندهما الغضب أشده حتى يؤدي إلى التفوه بالطلاق الذي ينشأ عنه الفراق ويتشتت أفراد الأسرة بسبب إثارة المشاعر لأسباب قد تكون تافهة تنتهي بالندم والخسران، هنالك تدعو الضرورة إلى الالتجاء إلى أهل الإفتاء الذين قد يتمكنون، أو لا يتمكنون من الوصول إلى مخرج شرعي للإبقاء على كيان الأسرة ووحدتها، خاصة إذا كان الطلاق بائنا بينونة صغرى، أو بينونة كبرى وقد كان الفقهاء أهل الإفتاء يستندون في الحكم على الطلاق البات بعدم وقوعه وذلك بما يقربه الزوج أمامهم من تسرعه بإيقاع الطلاق على زوجته دون سبق إرادة، أو نية، ولا يكون ذلك إلا في حالة الغضب الشديد الذي لا يملك الإنسان فيه نفسه وضبط أعصابه، ولا يدرك الصواب والاعتدال، بهذا التقرير الذي يسمعه المفتي من المطلق يصدر فيها الزوج ثباته واتزانه فيتسرع بإيقاعه على زوجته تحت ظاهرة الإكراه والإغلاق استنادا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: لا طلاق في إكراه، وقوله: لا طلاق في إغلاق ـ إذا كان الفقهاء السابقون يستندون في فتاويهم إلى الغضب الشديد، أو الحالة النفسية، أو السكر، أو الهذيان بسبب المرض فإن هناك أمورا مستحدثة تلفت نظر الجميع إلى مراعاتها والعمل بما يبدو لأي باحث ودارس لظاهرة الطلاق الذي لم يكن بدافع الزوج، أو الزوجة أصلا، ولا بإصرار ولا بنية سابقة ولا إرادة، ولكن الحدث مفاجئ غير معتاد فكم من زوجة تقية صوامة قوامة ألحت على زوجها في طلب الطلاق دون أي سبب مبرر، فيضطر الزوج إلى إيقاعه عليها بين الحين والآخر حتى يصل إلى الطلقة المحرمة غير أن بعض الناس قد أدركوا أن هناك إكراها وإغلاقا خفيين فلا بد من الاستعانة بالرقاة والالتجاء إلى القرآن الكريم لمعرفة هذه الظاهرة ومعالجتها، وفعلا عندما تكررت وساءت الأحوال في البيوت، كنت من بين المستجيبين لمطالب الأسر منذ ما يقرب خمس عشرة سنة وقد تبين لي من هذه الممارسات أن الطوارق الشيطانية قائمة بدور الشر والدمار للتفريق بين الزوج والزوجة بموجب الإكراه والإغلاق الذين تتعرض لهما النساء بعمل السحر، أو بالمس الشيطاني، ولم يكن هذا الأمر خفيا حتى يؤول بالاضطراب النفساني، أو بالمشكلات العائلية وتراكم مفعولها في نفسية المرأة، أو الرجل وإنما الأمر قد أصبح جليا، فقد سمع الحاضرون ولا يزالون يسمعون تهديد الطوارق الشيطانية بالقتل والشنق أو بتنفيذ الطلاق، وهذا مما يدعو إلى الالتجاء إلى عرض المسحور، أو الممسوس على القرآن الكريم الذي يهز المصابين حتى تتأثر شياطينهم وتضطر إلى الهبوط والخروج وبطلان السحر وعودة الحياة الطبيعية إلى الأسرة واستقرارها استنادا إلى ما ذكر من مثل هذه الأحداث فإنني ألفت نظر جميع الأزواج إلى التثبت والتروي قبل إيقاع الطلاق وذلك بعقد الجلسات القرآنية التي يحضرها جميع أفراد الأسرة حتى يتم اكتشاف ومعرفة أسباب الطلاق الذي قد يكون تحت ظاهرة الإكراه والإغلاق كما يكون من غير سابق نية، أو إرادة، وسواء كان المكره والمغلق على إدراكه الطبيعي الزوجة وحدها، أو الزوج وحده، أو هما معا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحب، وبعد:

فليس من مهمة الموقع ولا من أهدافه متابعة الأبحاث ولا تصويب اجتهادات أهل العلم، أوتخطئتها وخصوصا إذا لم تدع الحاجة إلى ذلك، ولكننا نفيد السائل بخصوص هذا الموضوع  بما يلي:
1ـ يقع الطلاق من الزوج ما دام مدركا لما يقول ومختارا غير مكره، أما إذا كان مغلوبا على عقله فلا يقع طلاقه، وقد سبق أن بينا أحوال الطلاق في الغضب في الفتوى رقم: 1496
كما بينا حكم الطلاق تحت تأثير السحر في الفتوى رقم: 11577.
2ـ الذي يعتمده القاضي، أو المفتي في الطلاق هو ما يثبت عنده من إقرار الزوج، أو البينة على وقوع الطلاق،  وإذا ادعى الزوج أنه تلفظ بالطلاق غير مدرك له بسبب غضب شديد، أو سحر ونحو ذلك، فالراجح ـ والله أعلم ـ أن قوله يقبل إذا كانت هناك قرائن تدل عليه، أما إذا لم تكن قرينة على صحة دعواه فالأصل أن الطلاق واقع. قال ابن القيم: والمقصود أن سبق اللسان إلى الطلاق من غير قصد له مانع من وقوعه عند الجمهور، والغضبان إذا علم من نفسه أن لسانه سبقه بالطلاق من غير قصد جاز له الإقامة على نكاحه ويدين في الفتوى، وأما قبوله في الحكم فيخرج على الخلاف والأظهر أنه إن قامت قرينة ظاهرة تدل على صحة قوله قبل في الحكم.
وقال الشيخ محمد مختار الشنقيطي: ففي حالة الغضب: يقع كثير من التلاعب من الناس، وينبغي على العالم أن يكون حذرا فطنا من تلاعب الناس، لأن الطلاق أمره عظيم، ومن طلق وتلاعب بطلاقه وادعى أنه لا يعلم وأنه فاقد لشعوره وأنه، وأنه، فينبغي الحيطة في أمره، فإن الناس فتنة، والرجل إذا طلقت عليه امرأته ـ خاصة إذا كانت الطلقة الأخيرة ـ فإنه يصبح كالمجنون ـ والعياذ بالله ـ فيحرف في الألفاظ ويغير فيها ويبدل، ويدعي أمورا قد لا تكون حقيقة، ولذلك ينبغي الاحتياط في مثل هذه المسائل، ولا ينبغي فتح الباب لكل من هب ودب إذا ادعى أنه غضبان أن يقبل قوله، إنما يقبل لو شهد ثقات وأناس من أهله أنه رجل عصبي المزاج، وأنه إذا استثير يصل إلى درجة لا يعي فيها ما يقوله ويفعله، أو شهد زملاؤه في عمله على ذلك، أو نحو ذلك من الأدلة التي تثبت أن غضبه مؤثر، فمثل هذا إذا وصل إلى حالة يفقد فيها السيطرة على نفسه واستغلق عليه الأمر فالأشبه أن طلاقه لا يقع.
3ـ لا ينبغي التسرع والمبالغة في نسبة ما يعرض للإنسان إلى السحر ونحوه، وإنما ينبغي النظر في الأسباب الظاهرة للمشكلات والسعي في علاجها بالوسائل المشروعة، وإذا كانت هناك دلائل على وجود سحر، أو مس فعلاجه ميسور ـ بإذن الله تعالى ـ بالمحافظة على الأذكار والرقى المشروعة مع التوكل على الله، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 2244، ورقم: 10981.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة