ثبوت توبة عائشة وحفصة مما ورد في شأنهما في سورة التحريم

0 567

السؤال

ذات يوم كنت أقرأ سورة التحريم، وقد كنت قد قرأت تفسيرها من التفسير الميسر، فلما وصلت إلى قوله تعالى: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما. الآية، جاءني تساؤل بداخلي هل تابتا ـ حفصة وعائشة ـ أم لم تتوبا؟ فلم أستطع الإجابة صراحة على هذا السؤال، وقلت في نفسي ما أعرفه: أنهن ـ أقصد زوجات الرسول صلى اللـه عليه وسلم ـ مسلمات مؤمنات صالحات، ولكن ظللت محتارا بين عدم علمي بدليل توبتهما والخوف من الخوض فيما لا علم لي به، فقد يكون هناك شيء في الحادثة وأنا أجهله، وبين أنهن صالحات مؤمنات وأمهات المؤمنين يستحيل أن يصررن على المعصية ولا تتوبا خاصة بعد نزول قرآن فيهن، ملت إلى الأول تارة وإلى الثاني تارة أخرى، راودني كذلك أنهما ربما لم تتوبا، ولكن حسناتهما غمرت ما حصل منهن، وظلت الحيرة ولم أستطع أن أحسم الموضوع، فقلت سأسأل أهل العلم وأتبين، إلى أن قرأت في ليلة ذلك اليوم ـ بعد البحث في الأنترنت ـ ما هو مكتوب في موقع: د. سعد البريك ـ فأثلج صدري وارتاحت نفسي وهدأت بالحق، وسؤالي: هل حيرتي هذه وترددي يقدح في موالاتي للصحابة وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل مثل ذلك يعد تشكيكا في صلاحهن، أو طعنا فيهن؟ وهل لذلك أثر على إسلامي؟ وما هو الواجب علي بعد ما حصل؟ وماذا أصنع مستقبلا إذا عرضت علي مسألة مثل هذه، أو أعظم منها؟ فأنا قليل علم، وهل أوقف التفكير والترجيح فيها بقول سأسأل أهل العلم وأنتهي؟ اللهم جنبنا الفتن والشبهات ما ظهر منها وما بطن.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننصحك بالإعراض عن الوساوس في هذه الأمور، فقد كثرت منك الأسئلة في الوسوسة فاصرف ذهنك عنها، واعلم أن الواجب علينا حسن الظن بالصحابة ولا سيما الأمهات ـ رضوان الله عليهن ـ كما يجب اعتقاد فضل الصحابة وأنهم جميعا عدول، وبما أن ذلك العصر قد توفي أهله وأفضوا إلى ما قدموا، فعلينا أن نصرف من وقتنا وطاقتنا في هداية المعاصرين من الأمة لعل الله يرزقهم التوبة والإنابة والتمسك بالدين، فإن السعي في هداية المعاصرين فرض علينا يجب القيام به حسب الاستطاعة، ثم إنه لا شك أن هاتين الصحابيتين تابتا ويدل لذلك ما ثبت من قبول النبي صلى الله عليه وسلم لهما وتمسكه بهما وعدم استبداله إياهما بغيرهما كما توعدهما به، وهذا القبول هو جواب الشرط في قوله إن تتوبا، فقد جاء في تفسير الجلالين وشرح الشبيهي لصحيح البخاري: إن تتوبا ـ أي حفصة وعائشة ـ إلى الله فقد صغت قلوبكما ـ مالت إلى تحريم مارية أي سركما ذلك مع كراهة النبي صلى الله عليه وسلم له، وذلك ذنب وجواب الشرط محذوف أي تقبلا. اهـ.

ويدل لتوبهما كذلك ندمهما وبكاؤهما حين هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وفي الحديث: الندم توبة. رواه ابن ماجه وغيره وحسنه الألباني.

وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: أصبحنا يوما ونساء النبي صلى الله عليه وسلم يبكين عند كل امرأة منهن أهلها، فخرجت إلى المسجد، فإذا هو ملآن من الناس فجاء عمر بن الخطاب فصعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غرفة له فسلم ولم يجبه أحد، ثم سلم فلم يجبه أحد، ثم سلم فلم يجبه أحد، فناداه فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أطلقت نساءك؟ فقال: لا، ولكن آليت منهن شهرا ـ فمكث تسعا وعشرين ثم دخل على نسائه.

وفي رواية للبخاري: قالت عائشة فأنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة فقال: إني ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ـ قالت قد أعلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك ثم قال: إن الله قال: يا أيها النبي قل لأزواجك ـ إلى قوله ـ عظيما ـ قلت أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة.

وفي رواية للبخاري عن عمر قال: فصليت صلاة الفجر مع النبي فدخل النبي مشربة له فاعتزل فيها ودخلت على حفصة فإذا هي تبكي.

وروى أبو يعلى عن ابن عمر قال: دخل عمر على حفصة وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك؟ إنه قد كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي، والله لئن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا. اهـ. والحديث صحيح، فقد قال ابن كثير: رجاله على شرط الصحيحين.
وأما حيرتك في الأمر وأنت تعتقد أن الأمهات مسلمات مؤمنات صالحات فلا يؤثر على دينك ولا ولائك للصحابة، والواجب على كل هو حسن الظن بالصحابة دائما ولا سيما الأمهات، فقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهن، واحرص على طلب العلم فخصص لنفسك وقتا يوميا تدرس فيه ما تيسر من نصوص الوحي وما أشكل عليك، فاسأل عنه أهل العلم، وابتعد عن إيراد الشبه على قلبك، فقد قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: وقال لي شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه، وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد ـ لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات ـ أو كما قال ـ فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك، وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة