بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
فألفاظ الخلع تنقسم عند بعض أهل العلم كالحنابلة والشافعية إلى صريح وكناية، لأنه أحد نوعي الفرقة. فالصريح عندهم إذا صاحبه العوض يكون نافذا ولا يحتاج لنية، ومثله الكناية إذا صحبتها دلالة حال كطلب الخلع، أما إن كانت الكناية مع العوض خالية من دلالة الحال فلا بد من النية لوقوع الخلع.
جاء في المغني لابن قدامة: وألفاظ الخلع تنقسم إلى صريح وكناية، فالصريح ثلاثة ألفاظ: خالعتك، لأنه ثبت له العرف. والمفاداة، لأنه ورد به القرآن, بقوله سبحانه : فلا جناح عليهما فيما افتدت به (البقرة: 229). وفسخت نكاحك ; لأنه حقيقة فيه, فإذا أتى بأحد هذه الألفاظ وقع من غير نية, وما عدا هذه مثل: بارأتك, وأبرأتك, وأبنتك. فهو كناية، لأن الخلع أحد نوعي الفرقة, فكان له صريح وكناية, كالطلاق. وهذا قول الشافعي إلا أن له في لفظ الفسخ وجهين , فإذا طلبت الخلع, وبذلت العوض فأجابها بصريح الخلع أو كنايته, صح من غير نية، لأن دلالة الحال من سؤال الخلع وبذل العوض, صارفة إليه, فأغنى عن النية فيه, وإن لم يكن دلالة حال, فأتى بصريح الخلع, وقع من غير نية, سواء قلنا: هو فسخ أو طلاق. ولا يقع بالكناية إلا بنية ممن تلفظ به منهما, ككنايات الطلاق مع صريحه. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية: وصريح خلع وكنايته, كصريح طلاق وكنايته عند الشافعية والحنابلة, فإذا طلبت الخلع وبذلت العوض فأجابها بصريح الخلع وكنايته, صح من غير نية، لأن دلالة الحال من سؤال الخلع, وبذل العوض صارفة إليه فأغنى عن النية فيه, وإن لم يكن دلالة حال فأتى بصريح الخلع وقع من غير نية, سواء قلنا هو فسخ أو طلاق, ولا يقع بالكناية إلا بنية ممن تلفظ به منهما, ككنايات الطلاق مع صريحه . انتهى.
فإن كان الخلع بلفظ صريح فيه بغير عوض فإنه يعتبر كناية طلاق، ولا يقع بها إلا مع النية. ولا ينطبق عليه حكم لفظ الطلاق الصريح. هذا مذهب الجمهور من الشافعية والحنابلة والحنفية. وذلك لأن الخلع إما أن يكون فسخا أو طلاقا فعلى اعتبارالخلع فسخا فالفسخ لا يكون إلا بحصول سبب يقتضيه كعيب الزوجة، وإذا قلنا الخلع طلاق فإنه ليس بصريح في حل العصمة بل يعتبر كناية فيه فلا يقع إلا مع النية.
قال ابن قدامة في المغني منبها على هذا التعليل: فإن تلفظ به بغير عوض, ونوى الطلاق, كان طلاقا رجعيا. لأنه يصلح كناية عن الطلاق. وإن لم ينو به الطلاق, لم يكن شيئا. وهذا قول أبي حنيفة والشافعي، لأن الخلع إن كان فسخا, فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا لعيبها. وكذلك لو قال : فسخت النكاح . ولم ينو به الطلاق لم يقع شيء, بخلاف ما إذا دخله العوض, فإنه يصير معاوضة, فلا يجتمع له العوض والمعوض . وإن قلنا : الخلع طلاق فليس بصريح فيه اتفاقا, وإنما هو كناية, والكناية لا يقع بها الطلاق إلا بنية, أو بذل العوض, فيقوم مقام النية, وما وجد واحد منهما. ثم إن وقع الطلاق, فإذا لم يكن بعوض, لم يقتض البينونة إلا أن تكمل الثلاث . انتهى.
ولا شك أن هذا القدر من التعليل كاف لما سألت عنه. وهو المفتى به عندنا، ولعل ما ذهب إليه المالكية يستجيب لبعض ما استشكلته. فإن ألفاظ الخلع والافتداء والإبراء والصلح تعتبرعندهم طلاقا بائنا ولو لم يصاحبه عوض.
جاء في حاشية الدسوقي المالكي: كما لو قال لها خالعتك فإنه قد نص على الخلع من غير أن يذكر عوضا فيلزمه الطلاق البائن، ومثل لفظ الخلع في لزوم البينونة به ولو بلا عوض لفظ الصلح والإبراء والافتداء، كما إذا قال لها صالحتك أو أنا مصالح لك، أو أنت مصالحة أو أنا مبريك أو أنت مبرأة، أو أنا مفتد منك أو أنت مفتداة مني. انتهى.
والله أعلم.