حكم المال المختلط وحكم الزواج ممن يعمل في بنك ربوي

0 283

السؤال

هل المال الحرام إذا اختلط بمال حلال يجعله حراما، وأقصد أنه إذا تزوج من كسبه من حرام بفتاة كسبها من حلال، وتعاهدا على التعاون والمساعدة على ظروف الحياة. فهل اختلاط ماله بمالها يجعله حراما؟ وإذا أردت أن أفتتح مشروعا، ولكن لم تتوفر السيولة، فتقدمت بطلب قرض من أحد البنوك الربوية. فهل يعتبر كسبي من حرام كون أصل المال الذي أسست فيه مشروعي من مصدر حرام حتى إن قمت بسداد القرض؟ وهل يعتبر إقدام الفتاة على الزواج ممن يعمل ببنك ربوي، أو تأسيسي لمشروع تجاري بمساعدة القروض الربوية - هل تعتبر هذه الأعمال من الجرأة على الله؟ كوني أعلم مدى حرمة أموال القروض وعلم الفتاة بعمل الشاب المحرم. وهل من الحرام سؤال الناس المساعدة واقتراض المال على أن يتم السداد عندما يفرج الله عنه وعليه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا أكثر من سؤال، ويمكننا إجمال الجواب عنها في النقاط التالية:

أولا: خلط المال الحرام بالمال الحلال لا يحرمه، لكن يجب التخلص من مقدار المال الحرام.

قال ابن تيمية في الفتاوى: المال المأخوذ بوجه محرم إذا خلط بمال حلال فالواجب أن يخرج من ذلك القدر المحرم وقدر ماله حلال له. اهـ

وقال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (3/ 366) عند تفسيره لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين {البقرة:278} قال:  "السادسة والثلاثون- ذهب بعض الغلاة من أرباب الورع إلى أن المال الحلال إذا خالطه حرام حتى لم يتميز ثم أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل ولم يطب، لأنه يمكن أن يكون الذي أخرج هو الحلال والذي بقي هو الحرام. قال ابن العربي: وهذا غلو في الدين، فإن كل ما لم يتميز فالمقصود منه ماليته لا عينه، ولو تلف لقام المثل مقامه والاختلاط إتلاف لتمييزه، كما أن الإهلاك إتلاف لعينه، والمثل قائم مقام الذاهب، وهذا بين حسا بين معنى. والله أعلم. قلت: قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه، ومطلبه إن لم يكن حاضرا، فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه. وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه. فإن التبس عليه الأمر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده، فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده، حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذي أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه. فإن أيس من وجوده تصدق به عنه." انتهى

ثانيا: من المال الحرام ما يتعلق بذمة آخذه لا بعين ما استهلك فيه، ومن ذلك القرض الربوي وفوائد الربا وغيرها، فمن اقترض بالربا وأسس مشروعا فحرمة القرض تتعلق بذمته، والمشروع حلال له، وكذا لواشترى به بيتا أوسيارة أوغيرها فلا يحرم الانتفاع بذلك وهكذا.

ثالثا: والاقتراض بالربا من الموبقات العظيمة، والعمل في البنك الربوي محرم، ولا ينبغي للفتاة قبول من لايتقي الحرام، لكن لو تزوجت به فالزواج صحيح، وعليها نصحه ليكف عن الحرام من باب إنكار المنكر وعدم الرضا به، ولئلا يطعمها من كسبه المحرم.

رابعا: من يتقحم الحرام ويقع في الربا وهو يعلم حرمته وإثمه فهو جريء على الله متجاوز لحدوده، متعرض لسخطه ونقمته، ما لم يتداركه بفضل منه ورحمه، ويهديه إلى التوبة والإنابة إليه. ومن تاب تاب الله عليه.

خامسا: سؤال الناس إنما يباح لمن ألمت به حاجة شديدة في نفقاته ونفقات عياله، أو كانت له ديون كثيرة يعجز عن الوفاء بها. ففي صحيح مسلم وسنن النسائي وأبي داود والدارمي ومسند الإمام أحمد من حديث قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، قال ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش. أو قال: سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا.

وأما الاقتراض دون فائدة ربوية لأجل سداد الدين فلا حرج فيه وهو ليس من المسألة المحرمة. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات