لا يقاس الفن بمفهومه المعاصر على لعب الحبشة بالحراب في المسجد

0 355

السؤال

سؤالي لفضيلتكم عن الفن، وطبعا لا أعني الحسن من الشعر وغيره من ألوان الأدب، ولكن أعني الفن بمفهومه القائم حاليا في عالمنا العربي، فالبعض يستدل بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحمل أم المؤمنين عائشة كي ترى لعب الأحباش بالحراب، وعلى هذا يقولون إن الفنون ليست حراما، بل ويتمادى البعض بقول إن الرقص ليس حراما ومشاهدة النساء لرقص الرجال ليس حراما بدليل هذا الحديث، فما الدلالة الصحيحة لحديث اللعب بالحراب؟ وكيف الرد على من يحلل الفنون؟ ولو كانت بعض الفنون حلالا، فـما ضوابطها؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعـد:

فإن الفن في واقعنا الذي يعنى به التمثيل والمسرحيات والغناء، لا شك في حرمة كثير مما يروج منه في واقعنا المعاصر، وانظر الفتويين رقم: 102342، ورقم: 66001، مع إحالاتهما.

وما استدل به بعضهم من حديث لعب الحبشة في مسجده صلى الله عليه وسلم على إباحة الغناء يرد بأن ألعابهم لم يكن فيها موسيقى، فلا يمكن معارضة حديث الحبشة للأحاديث التي نصت على تحريم المعازف، ويضاف إلى هذا أن لعبهم لم يكن لمجرد اللعب، بل كان يراد به التدريب على الجهاد، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:  واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا، بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو، وقال المهلب: المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين، فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز. انتهى.

وقال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح مسلم: فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد  ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد. اهـ.

وقال القاري في المرقاة: والحبشة يلعبون ـ الجملة حالية، بالحراب بكسر الحاء ـ جمع الحربة وهي: رمح قصير، في المسجد، أي في رحبة المسجد المتصلة به وكانت تنظر إليهم من باب الحجرة وذلك من داخل المسجد فقالت في المسجد، لاتصال الرحبة به، أو دخلوا المسجد لتضايق الموضع بهم، وإنما سومحوا فيه، لأن لعبهم بالحراب كان يعد من عدة الحرب مع أعداء الله تعالى فصار عبادة بالقصد كالرمي، قال تعالى جل جلاله: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة. انتهى.

وفي فتاوى اللجنة الدائمة: كان هؤلاء الحبشة ـ رضي الله عنهم ـ يلعبون بالحراب في المسجد يوم عيد يمرنون بذلك أنفسهم ويدربونها على أعمال الحرب استعدادا لجهاد الكفار، ولا شك في أن هذا العمل من فعل الخير، لأن الجهاد في سبيل الله، والاستعداد له بعدته، وتمرين النفس على استعمالها، للانتفاع بها عندما يدعو الداعي إلى الجهاد لا شك أن ذلك من واجبات الإسلام، لكنه سمي لعبا لما فيه من الشبه باللعب لكون المتدرب يقصد إلى الطعن ولا يفعله ويوهم قرنه بذلك ولو كان أقرب قريب إليه كأبيه وابنه، وبذلك يتبين أنه لا بأس بفعله في المسجد وخاصة يوم العيد، لأنه يوم فرح وسرور، إذ هو قربة وفعل خير في حقيقته وإن كان لعبا في صورته، أما اللعب المحض في حقيقته وصورته فهو لهو لا يجوز فعله ولا التدرب عليه ولا إقراره ولا التفرج عليه، وخاصة من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ ونظيره مشروعية السباق بالخيل والإبل والنبال، والتدريب على ذلك استعدادا للجهاد في سبيل الله، وأخذا بأسباب القوة، وإقامة الدولة الإسلامية ونصرة دين الإسلام فإنه يشرع في مكانه المناسب له، وليس من اللهو الممنوع وكل ذلك داخل في قول الله سبحانه: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل. اهـ.
وأما نظر المرأة للرجال: فإن العلماء اتفقوا على أنه لا يجوز للمرأة النظر إلى الرجال الأجانب بشهوة، بل يحرم عليها ذلك، وأما النظر إليهم بغير شهوة فمختلف فيه والراجح جوازه لاسيما إذا دعت الحاجة إليه، وقد بينا ذلك في الفتويين رقم: 7997، ورقم: 127658.  

وأما الجواب عن الرقص: فقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة والقفال من الشافعية إلى كراهة الرقص معللين ذلك بأن فعله دناءة وسفه، وأنه من مسقطات المروءة، وأنه من اللهو قال الأبي: وحمل العلماء حديث رقص الحبشة على الوثب بسلاحهم، ولعبهم بحرابهم، ليوافق ما جاء في رواية: يلعبون عند رسول الله بحرابهم ـ وهذا كله ما لم يصحب الرقص أمر محرم كشرب الخمر، أو كشف العورة ونحوهما، فيحرم اتفاقا. انتهى.

وللمزيد من الفائدة يراجع جواب الفتوى رقم: 1258 .

والله أعلم.

 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة